يتكرر مشهد تحول شوارع العاصمة السورية دمشق إلى أنهار وجداول مع غزارة مياه الأمطار، فتغرق الأحياء السكنية والشوارع وتتهدد حياة الناس ويلحق الضرر بممتلكاتهم. ورغم أن ما تشهده العاصمة هذه الأيام حدث العام الماضي، ورغم تحذير التقارير الإعلامية والناشطين من تكرار مأساة السيول، فلا من يسمع أو يرى من الجهات المسؤولة التي تبدو عاجزة عن إيجاد الحلول.
دمشق تغرق
قال أبو محمد الميداني (56 عاما)، من سكان دمشق: "رأيت مشاهد في دمشق لم أرها في حياتي، جرفت مياه الأمطار السيارات والناس، خصوصاً في الأحياء الموجودة على سفح جبل
وأضاف "أصبح الناس يترقبون أخبار المنخفضات الجوية، محاولين تحصين منازلهم ومحالهم من السيول، منهم من وضع حواجز رملية ومنهم من وضع حواجز إسمنتية، لكن من يعش في أقبية سكنية فلا شيء يجدي معه، لأن ضغط مياه الأمطار على شبكة الصرف الصحي يفجر المياه من داخل المنزل".
وأوضح أبو محمد سليمان (43 عاما)، وهو سائق ميكروباص للنقل العام، في حديث مع "العربي الجديد"، "ما نشاهده في دمشق هذه السنة وما شاهدناه السنة الماضية جديد علينا، من جهة غزارة مياه المطر والسيول التي شكلتها، لكن في دمشق منذ كنت طفلا كانت مناطق كثيرة من العاصمة تتحول إلى برك من الماء بعد كل زخة مطر، وأعتقد أن ذلك كان من سوء تنفيذ شبكات تصريف المطر وسوء الطرقات".
وأضاف "منذ ذلك الوقت وأنا أسأل نفسي، لماذا مصرف الأمطار لا تصل إليه المياه بل تشكل بركة كبيرة بالقرب منه، وحتى تلك المصارف التي توضع على جانب الطريق بالقرب من الرصيف، لا يصلها إلا الجزء اليسير من الماء، والباقي يشكل جدولا في منتصف الطريق، وكنت أجد المياه تتجمع على المصرف الذي سرعان ما يتوقف عن تصريف المياه، بسبب ما تحمله من أتربة وأوساخ، في المقابل لا تتحرك ورش الصيانة لفتح تلك المصارف (الريغارات) إلا بعد توقف المطر".
وذكر أنه منذ غرق الميكروباص في أحد أنفاق دمشق السنة الماضية، أصبح يتابع أحوال الطقس يومياً للاطلاع على التوقعات بحدوث أمطار غزيرة، وقال: "أكون مستعدا من الصباح بأن اليوم سيكون عطلة، فالمطر لا يهدد بالغرق فقط، بل بالتعرض لحوادث السير لأن الشوارع تصبح زلقة".
حلول على الورق
وأعلنت محافظة دمشق، على لسان عضو المكتب التنفيذي مسؤول قطاع التخطيط والمالية فيصل سرور، في تصريح صحافي قال فيه: "تم التوجه بالخطة الإسعافية لفتح المصائد والشوايات المطرية والريغارات، وتركيب أربع مضخات مطرية احتياطية إضافية لتصريف
ونفى سرور وجود مصارف صحية مغلقة في المدينة، وإنما من الممكن وجودها على أطراف دمشق، مشيراً إلى أن التجهيزات في المدينة كانت كافية، ولكن المصارف المطرية لم تتسع لكمية الأمطار الكبيرة التي سجلت 40 ملم خلال نصف ساعة، علماً أن المعدل السنوي لمدينة دمشق لا يتجاوز 216 ملم سنوياً أي 7 ملم يومياً.
وأضاف أن التواصل مع الجهات والمؤسسات المعنية والأرصاد الجوية قائم للتنسيق في حال حدوث مثل هذه المنخفضات قريباً، مبينا أن مثل هذه الكارثة لم تحصل في دمشق سابقاً ولذلك لم يكن هناك تجهيزات تتناسب معها.
أما بالنسبة لأضرار مناطق العشوائيات، فأشار سرور إلى زيارة كل المناطق التي تعرضت للأضرار، وتسجيل تقارير عنها، والبدء بإنشاء جدار استنادي لمنطقة المزة 86، وآخر مؤقت في ركن الدين لمنع تدهور التربة، معتبراً أن تشييد الأبنية ضمن مناطق غير صالحة للبناء مثل الأودية- الفالق، يؤدي إلى انهيارها في حال حدوث مثل هذه الفيضانات.
وسبق لمجلس الوزراء التابع للنظام أن شكل الشهر الماضي لجنة لبحث تداعيات فيضانات دمشق، ووضعت هذه اللجنة حلولاً وصفتها بالإسعافية للأنفاق والنقاط السوداء التي من الممكن أن تتجمع فيها مياه الأمطار، وذلك من خلال تنفيذ خطوط مطرية مع شوايات مطرية وتكبير الفتحات المطرية الموجودة ضمن النفق وتركيب مضخات احتياطية.
واقترحت اللجنة تكليف محافظة دمشق والهيئة العامة للموارد المائية بإعداد دراسة جغرافية دقيقة لمدينة دمشق وكيفية تحويل المياه والسيول إلى نهر بردى عند حدوث الهطولات المطرية الغزيرة.
حلول جذرية
قال مهندس مدني في دمشق، طلب عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، "غزارة الأمطار العام الماضي والعام الجاري عرت واقع دمشق الخدمي، والمشكلة أكبر من غزارة أمطار، فأولا شبكة الصرف الصحي في دمشق تخدم تعدادا سكانيا يفوق ضعف قدرتها، وثانيا لا يوجد ما يدل على إعداد دراسة حقيقية عن مسارات مياه الأمطار، وخاصة أن جزءا من دمشق يقع على سفح جبل قاسيون".
وأضاف "المضحك أن دمشق وغيرها من المناطق السورية غرق العام الماضي بسيول مياه الأمطار، والجهات المسؤولة لم تحاول إيجاد حل لذلك تكرر الوضع بداية فصل الشتاء الحالي، ما يعني أن شوارع دمشق ستتعرض للحفريات وانتشار الأنقاض وهي لا تحتمل كل هذا البطء".
ولفت إلى أن "أحد أسباب تدهور مستوى تصريف شبكات الصرف الصحي، إغلاق القوات النظامية جميع مجاري الشبكة المتصلة مع مناطق ساخنة، وإغلاق أغطية الريغارات في كثير من المناطق بإحكام، لضمان عدم خروج مقاتلين مناهضين للسلطة منها، كانوا يسيطرون على مناطق من دمشق في حينها، ما حال دون تنظيفها لسنوات".
وأعرب عن اعتقاده بأن "دمشق ككثير من المناطق السورية، بحاجة إلى بنيه تحتية متكاملة تناسب الواقع، والأخذ بالحسبان ازدياد الضغط السكاني لسنوات مقبلة، لا حلول إسعافية غالبا ما تتحول إلى حلول دائمة".