يعيش السوريون الذين تهجّروا من بيوتهم وبيئاتهم على أمل العودة إليها. النازحون من جنوبيّ دمشق من هؤلاء الذين انتظروا خروج "داعش"، وتوجّهوا إلى منطقتهم لتفقّد أملاكهم
على مدى سنوات، انتظر مئات آلاف النازحين من مخيّم اليرموك وشارع فلسطين وحيّ التضامن وحيّ الحجر الأسود، العودة إلى منازلهم التي حُرموا منها من جرّاء العمليات العسكرية. وقبل أيام، سُمح لهم بالدخول إلى مناطقهم للاطمئنان على أحوال منازلهم وجلب ما يجدونه من حاجيات تبقّت لهم.
أم المجد (50 عاماً)، من هؤلاء الذين دخلوا إلى المنطقة. هي كانت قد نزحت من منزلها الواقع في شارع فلسطين في مخيّم اليرموك في عام 2012، وعادت إليه مع ابنتها، إذ لم تستطع انتظار عودة زوجها وابنها من العمل. تخبر "العربي الجديد": "عندما تجاوزت الحاجز سيراً على الأقدام، كان المشهد مرعباً. كان من الصعب عليّ تمييز ملامح المنطقة التي عشت فيها أكثر من 40 عاماً. كان الركام أكواماً في المنطقة، وكاد قلبي يتوقّف للحظة. هل يكون أمل العودة إلى المنزل قد تبخّر في الهواء؟". تضيف أم المجد أنّه "بعد عشرات الأمتار، صرت أرى مباني ما زالت ملامحها واضحة، وإن كانت بمعظمها من دون نوافذ ولا أبواب، خصوصاً تلك المطلة على الشوارع. أمّا الطرقات فكانت مغطاة بالركام ودرابزونات الشرفات والنوافذ، كأنّها سقطت من ضغط الانفجارات. كذلك، صادفت تلالاً من الأتربة وحفراً كثيرة، منها ما يبدو أنّه بفعل القذائف".
اقــرأ أيضاً
وتلفت أم المجد إلى "أشخاص كثيرين في الشوارع، منهم من يرتدي لباساً عسكرياً ومنهم من يرتدي لباساً مدنياً، إلى جانب نساء وشبان. كثر هم الذين كانوا يبحثون عن طرقات توصلهم إلى منازلهم، من خلال الاستدلال بملامح كانوا يعرفونها قبل نزوحهم. إلى هؤلاء، كان آخرون يحملون أدوات مطبخ أو قطع أثاث صغيرة أو حتى ملابس". وتكمل أم المجد: "عندما وصلت إلى منزلنا، اكتشفت أنّ وضعه أفضل من غيره على الرغم من الخراب واختفاء النوافذ. هو ما زال قائماً وليس كغيره من المباني التي تحوّلت إلى ركام. وكان جزء من الأثاث الخشبي غير موجود، في حين عمّت الفوضى وغطّى الغبار المكان. وجدت بعض الأواني بالإضافة إلى ستارة، فحملت ما استطعت منها. لو خرجت من دونها، لا أظنّ أنّني كنت لأجدها عند العودة من جديد. فالمنطقة مفتوحة أمام الجميع، ولا أحد يتأكد من هوية أصحاب الأغراض التي تُنقَل إلى الخارج".
من جهته، نزح أبو جواد (38 عاماً)، من حيّ التضامن في عام 2012، وقد عاد قبل أيام ليتفقّد المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "عند الظهيرة تقريباً، فوجئت بأنّ الناس يدخلون إلى المناطق التي خرج منها تنظيم داعش. لم أتردد، ودخلت لتفقّد منزلي، خصوصاً أنّني أسدّد بدل إيجار المنزل الذي أسكنه اليوم 50 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي)، في حين أنّ منزلي الأساسي لا يبعد عني أكثر من كيلومتر واحد". يضيف أنّه "في طريقي، كان عناصر قوات النظام السوري ومقاتلو الدفاع الوطني قد فتحوا شارع فلسطين الرئيسي ويقومون بنقل ما يجدونه في المنطقة من أثاث منزلي وأبواب ونوافذ وغيرها عبر سيارات نقل متوسطة الحجم وصغيرة. أمّا المدنيون فيدخلون عبر الحارات وسيراً على الأقدام". ويشير أبو جواد إلى أنّه "كان في الإمكان، بحسب ما علمت، إحضار سيارة بعد الحصول على إفادة من المختار تثبت أنّني أملك منزلاً في المنطقة. لكنّ أصحاب السيارات التي تدخل كانوا يتقاضون بدلات عالية جداً، في حين أنّ الحاجز كان يستوفي عن كل سيارة 50 ألف ليرة".
ويتابع أبو جواد: "عندما وصلت إلى الشارع حيث كنت أسكن، لم أتوقّع أن أعثر على منزلي. الدمار الذي أصاب المبنى كان كبيراً، والطبقة الأرضية التي ما زالت قائمة كانت من دون جدران خارجية. صعدت إلى الطبقة الرابعة وأنا أركض. كان منزلي من دون أبواب ولا نوافذ، كذلك لم يبقَ شيء من غرف النوم. وجدت بعض الثياب والأواني المنزلية ومكيّفين، فأخذت ما استطعت من أوان وثياب وأسرعت بالخروج لجلب أحد أصدقائي ليساعدني في إخراج المكيفَين". لكنّهما لم يتمكنا سوى من حمل الجهازَين الداخليَّين، وقد أملا بأن يحول ذلك دون تعفيش الجهازَين الخارجيَّين. ويشير أبو جواد إلى أنّ "ثمّة عسكريين يعملون في المنطقة بطريقة منظمة، فيجمعون كل ما يمكن بيعه في ساحات رئيسية، مثل ساحة فلسطين، ثمّ تأتي سيارات كبيرة لنقله إلى جهة مجهولة بالنسبة إليّ".
أمّا أبو عماد وزوجته، النازحان من مخيّم اليرموك مع أبنائهم الخمسة، فلم يحالفهما الحظ، إن صحّ التعبير، أو بالأحرى كانا أسوأ حظاً من الآخرين. ويخبران "العربي الجديد" بأنّهما وجدا منزلهما "كومة من الركام". وتعجز أم عماد عن حبس دموعها، وتقول "طوال سنوات كنت أدعو ليلاً ونهاراً ألا نخسر منزلنا، فهو جنى 45 عاماً. كنت أتمنى أن أجده سقفاً وجدراناً. كان ليكفيني، وكنت لأتخلص من استئجار منزل تلو آخر. لكن للأسف، خسرنا كلّ شيء".
اقــرأ أيضاً
في السياق، يعبّر ناشطون عن تخوّفهم من استغلال النظام للدمار الكبير اللاحق بجنوبيّ دمشق، لا سيّما المناطق التي أخلاها "داعش"، لتطبيق القانون رقم 10 لعام 2018 الخاص بتنظيم المناطق السكنية. فهذا الأمر يحوّل مالك منزل ما إلى مالك أسهم على الشيوع، ويحمّله مسؤولية جمع عدد معيّن من الأسهم لتشكيل شركة مساهمة تتيح للمُلّاك بناء برج على نفقتهم الخاصة. وبما أنّ تلك المنطقة هي مناطق عيش للفقراء عموماً، فإنّ المُلّاك بالتالي لن يتمكّنوا من تمويل مثل هذه المشاريع، وهو ما سوف يجبرهم على البيع بأسعار بخسة.
على مدى سنوات، انتظر مئات آلاف النازحين من مخيّم اليرموك وشارع فلسطين وحيّ التضامن وحيّ الحجر الأسود، العودة إلى منازلهم التي حُرموا منها من جرّاء العمليات العسكرية. وقبل أيام، سُمح لهم بالدخول إلى مناطقهم للاطمئنان على أحوال منازلهم وجلب ما يجدونه من حاجيات تبقّت لهم.
أم المجد (50 عاماً)، من هؤلاء الذين دخلوا إلى المنطقة. هي كانت قد نزحت من منزلها الواقع في شارع فلسطين في مخيّم اليرموك في عام 2012، وعادت إليه مع ابنتها، إذ لم تستطع انتظار عودة زوجها وابنها من العمل. تخبر "العربي الجديد": "عندما تجاوزت الحاجز سيراً على الأقدام، كان المشهد مرعباً. كان من الصعب عليّ تمييز ملامح المنطقة التي عشت فيها أكثر من 40 عاماً. كان الركام أكواماً في المنطقة، وكاد قلبي يتوقّف للحظة. هل يكون أمل العودة إلى المنزل قد تبخّر في الهواء؟". تضيف أم المجد أنّه "بعد عشرات الأمتار، صرت أرى مباني ما زالت ملامحها واضحة، وإن كانت بمعظمها من دون نوافذ ولا أبواب، خصوصاً تلك المطلة على الشوارع. أمّا الطرقات فكانت مغطاة بالركام ودرابزونات الشرفات والنوافذ، كأنّها سقطت من ضغط الانفجارات. كذلك، صادفت تلالاً من الأتربة وحفراً كثيرة، منها ما يبدو أنّه بفعل القذائف".
وتلفت أم المجد إلى "أشخاص كثيرين في الشوارع، منهم من يرتدي لباساً عسكرياً ومنهم من يرتدي لباساً مدنياً، إلى جانب نساء وشبان. كثر هم الذين كانوا يبحثون عن طرقات توصلهم إلى منازلهم، من خلال الاستدلال بملامح كانوا يعرفونها قبل نزوحهم. إلى هؤلاء، كان آخرون يحملون أدوات مطبخ أو قطع أثاث صغيرة أو حتى ملابس". وتكمل أم المجد: "عندما وصلت إلى منزلنا، اكتشفت أنّ وضعه أفضل من غيره على الرغم من الخراب واختفاء النوافذ. هو ما زال قائماً وليس كغيره من المباني التي تحوّلت إلى ركام. وكان جزء من الأثاث الخشبي غير موجود، في حين عمّت الفوضى وغطّى الغبار المكان. وجدت بعض الأواني بالإضافة إلى ستارة، فحملت ما استطعت منها. لو خرجت من دونها، لا أظنّ أنّني كنت لأجدها عند العودة من جديد. فالمنطقة مفتوحة أمام الجميع، ولا أحد يتأكد من هوية أصحاب الأغراض التي تُنقَل إلى الخارج".
من جهته، نزح أبو جواد (38 عاماً)، من حيّ التضامن في عام 2012، وقد عاد قبل أيام ليتفقّد المنطقة. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه "عند الظهيرة تقريباً، فوجئت بأنّ الناس يدخلون إلى المناطق التي خرج منها تنظيم داعش. لم أتردد، ودخلت لتفقّد منزلي، خصوصاً أنّني أسدّد بدل إيجار المنزل الذي أسكنه اليوم 50 ألف ليرة سورية (نحو 100 دولار أميركي)، في حين أنّ منزلي الأساسي لا يبعد عني أكثر من كيلومتر واحد". يضيف أنّه "في طريقي، كان عناصر قوات النظام السوري ومقاتلو الدفاع الوطني قد فتحوا شارع فلسطين الرئيسي ويقومون بنقل ما يجدونه في المنطقة من أثاث منزلي وأبواب ونوافذ وغيرها عبر سيارات نقل متوسطة الحجم وصغيرة. أمّا المدنيون فيدخلون عبر الحارات وسيراً على الأقدام". ويشير أبو جواد إلى أنّه "كان في الإمكان، بحسب ما علمت، إحضار سيارة بعد الحصول على إفادة من المختار تثبت أنّني أملك منزلاً في المنطقة. لكنّ أصحاب السيارات التي تدخل كانوا يتقاضون بدلات عالية جداً، في حين أنّ الحاجز كان يستوفي عن كل سيارة 50 ألف ليرة".
ويتابع أبو جواد: "عندما وصلت إلى الشارع حيث كنت أسكن، لم أتوقّع أن أعثر على منزلي. الدمار الذي أصاب المبنى كان كبيراً، والطبقة الأرضية التي ما زالت قائمة كانت من دون جدران خارجية. صعدت إلى الطبقة الرابعة وأنا أركض. كان منزلي من دون أبواب ولا نوافذ، كذلك لم يبقَ شيء من غرف النوم. وجدت بعض الثياب والأواني المنزلية ومكيّفين، فأخذت ما استطعت من أوان وثياب وأسرعت بالخروج لجلب أحد أصدقائي ليساعدني في إخراج المكيفَين". لكنّهما لم يتمكنا سوى من حمل الجهازَين الداخليَّين، وقد أملا بأن يحول ذلك دون تعفيش الجهازَين الخارجيَّين. ويشير أبو جواد إلى أنّ "ثمّة عسكريين يعملون في المنطقة بطريقة منظمة، فيجمعون كل ما يمكن بيعه في ساحات رئيسية، مثل ساحة فلسطين، ثمّ تأتي سيارات كبيرة لنقله إلى جهة مجهولة بالنسبة إليّ".
أمّا أبو عماد وزوجته، النازحان من مخيّم اليرموك مع أبنائهم الخمسة، فلم يحالفهما الحظ، إن صحّ التعبير، أو بالأحرى كانا أسوأ حظاً من الآخرين. ويخبران "العربي الجديد" بأنّهما وجدا منزلهما "كومة من الركام". وتعجز أم عماد عن حبس دموعها، وتقول "طوال سنوات كنت أدعو ليلاً ونهاراً ألا نخسر منزلنا، فهو جنى 45 عاماً. كنت أتمنى أن أجده سقفاً وجدراناً. كان ليكفيني، وكنت لأتخلص من استئجار منزل تلو آخر. لكن للأسف، خسرنا كلّ شيء".
في السياق، يعبّر ناشطون عن تخوّفهم من استغلال النظام للدمار الكبير اللاحق بجنوبيّ دمشق، لا سيّما المناطق التي أخلاها "داعش"، لتطبيق القانون رقم 10 لعام 2018 الخاص بتنظيم المناطق السكنية. فهذا الأمر يحوّل مالك منزل ما إلى مالك أسهم على الشيوع، ويحمّله مسؤولية جمع عدد معيّن من الأسهم لتشكيل شركة مساهمة تتيح للمُلّاك بناء برج على نفقتهم الخاصة. وبما أنّ تلك المنطقة هي مناطق عيش للفقراء عموماً، فإنّ المُلّاك بالتالي لن يتمكّنوا من تمويل مثل هذه المشاريع، وهو ما سوف يجبرهم على البيع بأسعار بخسة.