أظهر استطلاع للرأي أعدّته محطة "سي إن إن" الأميركية، مطلع الأسبوع الجاري، أنّ 67 في المائة من الأميركيين لا يؤيدون سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب المتعلقة بفصل أولاد المهاجرين غير الشرعيين عن ذويهم على الحدود المكسيكية. وكانت تلك السياسة قد أدّت في الأسابيع الستة الأخيرة إلى فصل نحو ألفَي قاصر عن أهلهم الذين جرى احتجازهم في معتقلات حتى تنظر السلطات المختصة في قضيتهم بتهمة دخولهم إلى البلاد بطريقة "غير قانونية". وتُعَدّ هذه التهمة إشكالية بحد ذاتها لأنّ عدداً لا بأس به من هؤلاء يرغب في تقديم لجوء سياسي بعدما هرب من ويلات حرب أو صراعات مسلحة أو عصابات مخدرات.
واللافت في استطلاع الرأي المذكور آنفاً، هو أنّ 58 في المائة من بين الجمهوريين المشاركين في الاستطلاع يؤيّدون تلك السياسة. وعلى الرغم من ضرورة التعامل مع مثل تلك الاستطلاعات بحذر شديد، فإنّ النتائج وما تعكسه من استقطاب يظهران الانقسام الذي تشهده الولايات المتحدة الأميركية حول سياسات الهجرة حتى داخل الحزب الجمهوري.
في هذا السياق، كانت السيدة الأولى في الولايات المتحدة، ميلانيا ترامب، قد انتقدت السياسات التي أقرّتها إدارة زوجها والتي تؤدّي إلى فصل الأطفال عن عائلاتهم. وجاء انتقادها في بيان صدر عن مكتبها عبّرت فيه عن رغبتها وأملها في أن يتوصل الجمهوريون والديمقراطيون إلى حلّ يؤدّي إلى إصلاح قوانين الهجرة ويلتزمون به. وقالت: "أكره أن أرى الأطفال منفصلين عن عائلاتهم على الحدود. أؤمن بالحاجة إلى بلد يلتزم بكل القوانين، إلا أنّنا في حاجة إلى بلد يحكم بالقلب". من جهتها، كانت السيدة الأولى سابقاً، لورا بوش، قد وجّهت رسالة في صحيفة "واشنطن بوست" تدين فيها سياسات إدارة ترامب ووزير العدل جيف سيشنز ووصفتها بالقاسية وغير الأخلاقية.
وكان التفاعل مع القضية قد بدأ بعد محاولة ممثلي وسائل إعلام أميركية الدخول إلى عدد من معتقلات الاحتجاز، وبعدما زار مشرّعون ديمقراطيون معتقلات احتجاز في ولايتَي نيو جيرسي وتكساس للاحتجاج على تلك السياسات. وكثّفت وسائل الإعلام الأميركية تغطيتها بعد حصولها على تسريبات لصور أطفال يبكون ويصرخون وهم يشاهدون السلطات الأميركية المختصة تفتّش أهلهم، بالإضافة إلى صور أخرى لأطفال وحدهم في مرافق احتجاز من دون أهلهم.
تجدر الإشارة إلى أنّ تفاقم الوضع لا يعود إلى سياسات أميركية متعلقة فقط بإدارة ترامب، بل كذلك إلى سياسات إشكالية لإدارات سابقة من بينها إدارة الرئيس باراك أوباما. لكنّ الأمر تفاقم في ظل إدارة ترامب، ومع السياسات الجديدة التي أصدرها سيشنز بداية مايو/ أيار الماضي.
وتمنح سياسات سيشنز الجديدة صلاحيات واسعة لعناصر أمن الحدود الأميركية، تخوّلهم بفصل قصّر عن أهلهم أو مرافقيهم في حال جرى القبض عليهم عند دخولهم إلى الولايات المتحدة كمهاجرين غير شرعيين، حتى لو رغبوا في تقديم طلبات لجوء. وتهدف السياسات الجديدة إلى محاكمة الأهل وفصلهم عن أطفالهم ومقاضاة وتخويف كل من يدخل إلى البلاد من دون تأشيرات دخول. يُذكر أنّه يصعب في الأساس الحصول على التأشيرات، خصوصاً إذا كانت العائلة هاربة من ويلات الحروب أو عنف في بلادها. وبحسب سياسات سيشنز، يجري احتجاز الأهل في معتقلات ومراكز احتجاز إلى أن تجري محاكمتهم بعد فصلهم عن أطفالهم. وتحاول الإدارة توزيع الأطفال عند أقاربهم في الولايات المتحدة، إن كان لهم أقارب أو عند عائلات مضيفة. وكانت الإدارات الأميركية السابقة تحاول الإبقاء على أفراد الأسرة الواحدة بعضهم مع بعض، إلى حين البتّ بمصيرهم.
ومن الضروري لفت الانتباه إلى أنّ سياسات الهجرة الأميركية ومنذ تأسيس هذه البلاد، كانت معقدة وارتبطت دائماً بسياسات أخرى داخلية، بعضها يرحّب بفئات معينة من المهاجرين على حساب فئات أخرى. وإذا نظرنا إلى سياسات الهجرة في عهد أوباما على سبيل المثل، نجد أنّ السلطات الأميركية اعتقلت في عام 2015 نحو 60 ألف مهاجر لا يملكون أوراقاً ثبوتية (غير شرعيين) حاولوا الدخول إلى البلاد، وقد وضعتهم قيد الاحتجاز. يُذكر أنّ معظم هؤلاء من القصّر والنساء، بحسب إحصاءات معهد سياسات الهجرة الأميركي ومقرّه واشنطن. ويأتي 70 في المائة من هؤلاء من ثلاث دول هي هندوراس وغواتيمالا والسلفادور، والباقون من المكسيك بمعظمهم. والدول الثلاث، هندوراس وغواتيمالا والسلفادور تعاني من نسبة جريمة عالية وقتل واتّجار بالمخدرات وفقر وعنف وحروب سابقة تورّطت فيها الولايات المتحدة بشكل أو بآخر. وتبحث عائلات كثيرة هاربة، لا سيّما النساء مع أطفالهنّ، عن اللجوء وحياة أفضل. ومن المتوقع أن تتفاقم معاناة تلك العائلات كذلك، بسبب السياسات التقشفية التي أقرّها ترامب والتي تحدّ من ميزانيات مكاتب الهجرة التي كانت في الأساس تعاني من عجز في ميزانيتها بالمقارنة بحاجتها.