كلّما انتهى عام دراسي، يذهب المعنيون بالشأن التربوي إلى إعادة طرح قضايا متعلّقة بالمدارس والجامعات والتلاميذ والطلاب والمدرّسين والأساتذة والمناهج والنجاح والتكاليف... في السودان، يُسلّط الضوء هذا العام مجدداً على الفروقات الطبقية في العملية التعليمية
منذ إعلان نتيجة امتحانات الشهادة الثانوية في السودان قبل أيام، يستمر النقاش حول النتيجة وتفاصيلها ومؤشّراتها الأكاديمية والاقتصادية والاجتماعية، ويُسأل: هل بات التعليم في السودان حكراً على الأغنياء؟ وهل تضيق فعلاً فرص الفقراء يوماً بعد يوم؟
يقول الكاتب الصحافي الطاهر ساتي الذي راح يكتب في الفترة الماضية سلسلة من المقالات الصحافية حول الفوارق الطبقية في المجال التعليمي، إنّ "التعليم نظرياً ودستورياً حقّ الجميع، لكنّه واقعياً يمضي ليكون حكراً على الأغنياء، بينما تتقلص فرص التعليم النوعي والكمي أمام طبقة الأغنياء، في المرحلتَين الأساسية والثانوية وحتى المرحلة الجامعية". ويوضح ساتي لـ"العربي الجديد" أنّ "السياسات الحكومية التعليمية تشجّع التعليم الذي يشرف عليه القطاع الخاص، في حين تتجاهل تماماً دعم التعليم الحكومي. لذا تبدو الفوارق واضحة تماماً بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة. والسياسة الحكومية أدت كذلك إلى تجفيف المدارس الحكومية بينما سُجّلت زيادة كبيرة جداً في عدد المدارس الخاصة، ليس في ولاية الخرطوم فحسب بل في كلّ أنحاء السودان".
اقــرأ أيضاً
ويشير ساتي إلى أنّ "بيئة المدارس الحكومية طاردة، ولا يتوفّر فيها الكتاب المدرسي، وفي الغالب ثمّة نقص في المدرّسين وفي المقاعد، وذلك بخلاف المدارس الخاصة التي يتوفر فيها كل شيء. بالتالي، حينما تأتي نتيجة الشهادة السودانية، يكون التفوق واضحاً لمصلحة المدارس الخاصة على حساب الحكومية، لا سيّما في ما يتعلق بالتحصيل والقبول في الجامعات".
لا يتّفق رئيس نقابة عمال التعليم السودانية الدكتور عباس حبيب الله مع كثير ممّا يقوله ساتي، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "التعليم في السودان متوفّر حالياً للجميع، أغنياء وفقراء، والذين يقولون إنّه حكر على الأغنياء يحكمون فقط بموجب الإعلان عن المائة الأوائل الناجحين في الشهادة الثانوية على مستوى السودان والذين يكونون بمعظمهم من ولاية الخرطوم ومن المدارس النموذجية أو الخاصة". ويشير حبيب الله إلى "مؤشّرات أخرى تبيّن انتشار التعليم في المناطق الأكثر فقرا وأنّ ثمّة نسب نجاح عالية جداً في مدارس الولايات تتخطى 80 في المائة". ويخبر حبيب الله عن "تلميذة حصلت على نسبة 92 في المائة في الامتحانات الأخيرة، وهي من منطقة طرفية وتعيش ظروفاً صعبة ومنزل أسرتها من الطين والتيار الكهربائي لم يصل إلى منزلها بعد". ويؤكد أنّ "الحكومة تمضي في توسيع أطر التعليم وتعزيزه".
من جهته، يتفق يس الترابي مع حبيب الله ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سياسة الدولة الحالية تقوم أساساً على وجوب أن يكون التعليم شراكة بين الدولة والمجتمع. بالتالي، ومثلما يُطلب من الحكومة تقديم دعم للتعليم، فإنّه يُطلب كذلك من المجتمع ومنظماته المساهمة في التطوير، خصوصاً من خلال مجالس أولياء الأمور في المدارس". ويؤكد أنّ "أبناء الفقراء كانوا في السابق يتقدّمون الترتيب في النتائج كافة، وبقليل من الجهد قد تعود إلى ما كانت عليه".
في المقابل، لا يوافق صابر أحمد، وهو مدرّس في مدرسة حكومية، الترابي رأيه. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة غير مهتمة أصلاً بالتعليم الحكومي وإنّ البرلمان نفسه أقرّ بأنّ الميزانية المخصصة للتعليم غير مناسبة تماماً". يضيف أنّ "الحكومة هي وحدها المسؤولة عن مهمة إعادة تسيير المدارس الحكومية حتى تنهي الفوارق بين الأغنياء والفقراء في فرص التعليم". ويشدد أحمد على "توفير البيئة المدرسية للتلاميذ في المدارس الحكومية، وزيادة مرتبات المدرّسين فيها لأنّ المدارس الخاصة صارت تغري المدرّسين المبرزين بزيادة رواتبهم ومنحهم مخصصات كثيرة حتى يتخلوا عن المدارس الحكومية". لكنّه يؤكد "إخلاص المدرّسين لعملهم في المدراس الحكومية لإيمانهم المطلق بأنّ مهمتهم هي رسالة إنسانية في المقام الأول".
وعن المدارس النموذجية وما يمكن أن تحدثه من أثر لإزالة الفوارق، يشرح أحمد أنّ "فكرة المدارس أريد لها أن تكون مثالاً يمكن تطبيقه في المستقبل في كل المناطق، غير أنّها وللأسف الشديد ما زالت حتى اليوم محصورة في نطاق ضيق، وتلقى اهتماماً حكومياً زائداً على حساب المدارس الأخرى".
هنا، يوافق حبيب الله أحمد في رأيه حول المدارس النموذجية، ويقول إنّها "فكرة جيدة لكنّ بدأت فكرة المال تطاولها، من خلال إتاحة قبول تلاميذ ليس على أساس تفوّقهم إنّما على حسابهم الخاص"، داعياً إلى مراجعة تلك الفكرة والاستفادة من الإيجابيات وتلافي السلبيات".
اقــرأ أيضاً
في السياق، يقول ساتي إنّ "التلاميذ أنفسهم الذين يواجهون الفوارق الاجتماعية على أساس المال في المرحلة الثانوية، سوف يواجهون ما هو أسوأ خلال تقدّمهم إلى الجامعات والمعاهد العليا في البلاد. فلوائح القبول في التعليم العالي تعطي الجامعات والكليات الحق في تخصيص 50 في المائة من مقاعدها للطلاب الذين يتابعون دراستهم على نفقتهم الخاصة أي لمن يدفع المال". يضيف ساتي أنّ "كل ذلك على حساب طلاب فقراء يفوقون الطلاب الأثرياء في نسب النجاح، بينما أولئك يفوقونهم بالمال"، داعياً إلى "تعديل تلك اللائحة التي تزيد في كلّ مرة من نسبة القبول الخاص والتي ربّما تصل في يوم إلى 100 في المائة".
إلى ذلك، يرى حبيب الله أنّ "فكرة السماح للجامعات الحكومية بتخصيص مقاعد للقبول الخاص أريد به إتاحة الفرصة لتلك الجامعات لمعالجة ضعف الإيرادات المالية وضعف الدعم الحكومي لها". ويتفق مع ساتي حول "خطورة التوسّع في ذلك والوصول به إلى 50 في المائة من المقاعد"، مقترحاً أن "تكون أقل من ذلك بكثير وأن يكون ثمّة حدّ أدنى لنسبة نجاح الطالب".
يقول الكاتب الصحافي الطاهر ساتي الذي راح يكتب في الفترة الماضية سلسلة من المقالات الصحافية حول الفوارق الطبقية في المجال التعليمي، إنّ "التعليم نظرياً ودستورياً حقّ الجميع، لكنّه واقعياً يمضي ليكون حكراً على الأغنياء، بينما تتقلص فرص التعليم النوعي والكمي أمام طبقة الأغنياء، في المرحلتَين الأساسية والثانوية وحتى المرحلة الجامعية". ويوضح ساتي لـ"العربي الجديد" أنّ "السياسات الحكومية التعليمية تشجّع التعليم الذي يشرف عليه القطاع الخاص، في حين تتجاهل تماماً دعم التعليم الحكومي. لذا تبدو الفوارق واضحة تماماً بين المدارس الحكومية والمدارس الخاصة. والسياسة الحكومية أدت كذلك إلى تجفيف المدارس الحكومية بينما سُجّلت زيادة كبيرة جداً في عدد المدارس الخاصة، ليس في ولاية الخرطوم فحسب بل في كلّ أنحاء السودان".
ويشير ساتي إلى أنّ "بيئة المدارس الحكومية طاردة، ولا يتوفّر فيها الكتاب المدرسي، وفي الغالب ثمّة نقص في المدرّسين وفي المقاعد، وذلك بخلاف المدارس الخاصة التي يتوفر فيها كل شيء. بالتالي، حينما تأتي نتيجة الشهادة السودانية، يكون التفوق واضحاً لمصلحة المدارس الخاصة على حساب الحكومية، لا سيّما في ما يتعلق بالتحصيل والقبول في الجامعات".
لا يتّفق رئيس نقابة عمال التعليم السودانية الدكتور عباس حبيب الله مع كثير ممّا يقوله ساتي، ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "التعليم في السودان متوفّر حالياً للجميع، أغنياء وفقراء، والذين يقولون إنّه حكر على الأغنياء يحكمون فقط بموجب الإعلان عن المائة الأوائل الناجحين في الشهادة الثانوية على مستوى السودان والذين يكونون بمعظمهم من ولاية الخرطوم ومن المدارس النموذجية أو الخاصة". ويشير حبيب الله إلى "مؤشّرات أخرى تبيّن انتشار التعليم في المناطق الأكثر فقرا وأنّ ثمّة نسب نجاح عالية جداً في مدارس الولايات تتخطى 80 في المائة". ويخبر حبيب الله عن "تلميذة حصلت على نسبة 92 في المائة في الامتحانات الأخيرة، وهي من منطقة طرفية وتعيش ظروفاً صعبة ومنزل أسرتها من الطين والتيار الكهربائي لم يصل إلى منزلها بعد". ويؤكد أنّ "الحكومة تمضي في توسيع أطر التعليم وتعزيزه".
من جهته، يتفق يس الترابي مع حبيب الله ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "سياسة الدولة الحالية تقوم أساساً على وجوب أن يكون التعليم شراكة بين الدولة والمجتمع. بالتالي، ومثلما يُطلب من الحكومة تقديم دعم للتعليم، فإنّه يُطلب كذلك من المجتمع ومنظماته المساهمة في التطوير، خصوصاً من خلال مجالس أولياء الأمور في المدارس". ويؤكد أنّ "أبناء الفقراء كانوا في السابق يتقدّمون الترتيب في النتائج كافة، وبقليل من الجهد قد تعود إلى ما كانت عليه".
في المقابل، لا يوافق صابر أحمد، وهو مدرّس في مدرسة حكومية، الترابي رأيه. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الحكومة غير مهتمة أصلاً بالتعليم الحكومي وإنّ البرلمان نفسه أقرّ بأنّ الميزانية المخصصة للتعليم غير مناسبة تماماً". يضيف أنّ "الحكومة هي وحدها المسؤولة عن مهمة إعادة تسيير المدارس الحكومية حتى تنهي الفوارق بين الأغنياء والفقراء في فرص التعليم". ويشدد أحمد على "توفير البيئة المدرسية للتلاميذ في المدارس الحكومية، وزيادة مرتبات المدرّسين فيها لأنّ المدارس الخاصة صارت تغري المدرّسين المبرزين بزيادة رواتبهم ومنحهم مخصصات كثيرة حتى يتخلوا عن المدارس الحكومية". لكنّه يؤكد "إخلاص المدرّسين لعملهم في المدراس الحكومية لإيمانهم المطلق بأنّ مهمتهم هي رسالة إنسانية في المقام الأول".
وعن المدارس النموذجية وما يمكن أن تحدثه من أثر لإزالة الفوارق، يشرح أحمد أنّ "فكرة المدارس أريد لها أن تكون مثالاً يمكن تطبيقه في المستقبل في كل المناطق، غير أنّها وللأسف الشديد ما زالت حتى اليوم محصورة في نطاق ضيق، وتلقى اهتماماً حكومياً زائداً على حساب المدارس الأخرى".
هنا، يوافق حبيب الله أحمد في رأيه حول المدارس النموذجية، ويقول إنّها "فكرة جيدة لكنّ بدأت فكرة المال تطاولها، من خلال إتاحة قبول تلاميذ ليس على أساس تفوّقهم إنّما على حسابهم الخاص"، داعياً إلى مراجعة تلك الفكرة والاستفادة من الإيجابيات وتلافي السلبيات".
في السياق، يقول ساتي إنّ "التلاميذ أنفسهم الذين يواجهون الفوارق الاجتماعية على أساس المال في المرحلة الثانوية، سوف يواجهون ما هو أسوأ خلال تقدّمهم إلى الجامعات والمعاهد العليا في البلاد. فلوائح القبول في التعليم العالي تعطي الجامعات والكليات الحق في تخصيص 50 في المائة من مقاعدها للطلاب الذين يتابعون دراستهم على نفقتهم الخاصة أي لمن يدفع المال". يضيف ساتي أنّ "كل ذلك على حساب طلاب فقراء يفوقون الطلاب الأثرياء في نسب النجاح، بينما أولئك يفوقونهم بالمال"، داعياً إلى "تعديل تلك اللائحة التي تزيد في كلّ مرة من نسبة القبول الخاص والتي ربّما تصل في يوم إلى 100 في المائة".
إلى ذلك، يرى حبيب الله أنّ "فكرة السماح للجامعات الحكومية بتخصيص مقاعد للقبول الخاص أريد به إتاحة الفرصة لتلك الجامعات لمعالجة ضعف الإيرادات المالية وضعف الدعم الحكومي لها". ويتفق مع ساتي حول "خطورة التوسّع في ذلك والوصول به إلى 50 في المائة من المقاعد"، مقترحاً أن "تكون أقل من ذلك بكثير وأن يكون ثمّة حدّ أدنى لنسبة نجاح الطالب".