تحرص غالبية البشر على الفضائل والأخلاق خلال تعاملاتها مع الآخرين، وهذا أمر محمود، فمن يكره أن يعامله الآخرون جيداً، وأن يتجاوزوا أحياناً هفواته أو سقطاته؟ والبعض يحض على ذكر المحاسن بعد موت الأشخاص المختلف عليهم، وكل البشر مختلف عليهم. في حالات كثيرة يتحوّل متشدقون بمحاسن الأخلاق، خصوصاً في العالم العربي، إلى ما يمكن أن نطلق عليهم "شرطة الأخلاق"، ونافس هؤلاء لفترات طويلة "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية، قبل تجميدها، وهيئات وجمعيات عدة مشابهة لها في دول عربية وإسلامية.
ينتشر هؤلاء في الفضاء الإعلامي، وفي مواقع التواصل، وبينهم ساسة ومثقفون ورجال دين، فضلاً عن الفنانين والمشاهير، وحتى بعض مقدمي البرامج، وهم بغالبيتهم محسوبون على الأنظمة، وبعضهم محسوب على المعارضة.
وفي حين أن الشرطة في كثير من بلاد العرب معروف عنها تكرار تجاوز القوانين، فإن أفراد "شرطة الأخلاق" عادة ما يتجاوزون القوانين والمبادئ والمنطق، فتجدهم يضخمون عن عمد موضوعات تافهة، ويتعامون عن موضوعات مهمة، وهم يستخدمون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتدمير أو تشويه أي شخص، أو جهة، لا ترضى عنه السلطة، أو الجهة التي تدعمهم، وبالمثل لا يتورعون عن اختلاق الأكاذيب للدفاع عن أي شخص، أو جهة.
ليست تلك الآفة الخطرة حديثة عهد، وإنما هي جزء من تراث محفوظ، وسجلتها آلاف أبيات الشعر التي كانت توثق أحداث التاريخ، فالشاعر كان يدافع عن نفسه، أو عن عائلته أو قبيلته، بقول الحق وباختلاق الزور، ويهاجم غريمه، أو غريم قبيلته، بالحق والزور.
لكن تطور وسائل التواصل بين البشر منح "شرطة الأخلاق" مساحات أوسع من الانتشار والتأثير. يكفي أن يهاجم أحدهم شخصاً أو ينتقد شيئاً، لتظهر آلاف التعليقات والمداخلات المتباينة، والتي تتحول أحياناً إلى حملات شبه منظمة، وبعضها منظم بالتأكيد.
لا شك أن من حق كل البشر توجيه الانتقادات لمن وما لا يعجبهم، والثناء على من وما يعجبهم، ولا جدال في أهمية الاختلاف والنقاش، لكن الحملات الموجهة للتشويه أو التلميع لا تندرج ضمن تلك الحقوق.
اقــرأ أيضاً
ما يقوم به أفراد مليشيا "شرطة الأخلاق" ليس إلا جريمة منظمة يجب مواجهتها لأنها باتت إحدى أدوات الاستبداد وقمع حرية الرأي والتعبير، وليس أوضح على ذلك من تكرار صمت هؤلاء على جرائم كبرى ترتكبها أنظمة حاكمة أو متنفذون، في مقابل تكرار إثارة موضوعات تافهة أو جدلية لإلهاء المجتمعات عن الأزمات الحقيقية.
ينتشر هؤلاء في الفضاء الإعلامي، وفي مواقع التواصل، وبينهم ساسة ومثقفون ورجال دين، فضلاً عن الفنانين والمشاهير، وحتى بعض مقدمي البرامج، وهم بغالبيتهم محسوبون على الأنظمة، وبعضهم محسوب على المعارضة.
وفي حين أن الشرطة في كثير من بلاد العرب معروف عنها تكرار تجاوز القوانين، فإن أفراد "شرطة الأخلاق" عادة ما يتجاوزون القوانين والمبادئ والمنطق، فتجدهم يضخمون عن عمد موضوعات تافهة، ويتعامون عن موضوعات مهمة، وهم يستخدمون كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتدمير أو تشويه أي شخص، أو جهة، لا ترضى عنه السلطة، أو الجهة التي تدعمهم، وبالمثل لا يتورعون عن اختلاق الأكاذيب للدفاع عن أي شخص، أو جهة.
ليست تلك الآفة الخطرة حديثة عهد، وإنما هي جزء من تراث محفوظ، وسجلتها آلاف أبيات الشعر التي كانت توثق أحداث التاريخ، فالشاعر كان يدافع عن نفسه، أو عن عائلته أو قبيلته، بقول الحق وباختلاق الزور، ويهاجم غريمه، أو غريم قبيلته، بالحق والزور.
لكن تطور وسائل التواصل بين البشر منح "شرطة الأخلاق" مساحات أوسع من الانتشار والتأثير. يكفي أن يهاجم أحدهم شخصاً أو ينتقد شيئاً، لتظهر آلاف التعليقات والمداخلات المتباينة، والتي تتحول أحياناً إلى حملات شبه منظمة، وبعضها منظم بالتأكيد.
لا شك أن من حق كل البشر توجيه الانتقادات لمن وما لا يعجبهم، والثناء على من وما يعجبهم، ولا جدال في أهمية الاختلاف والنقاش، لكن الحملات الموجهة للتشويه أو التلميع لا تندرج ضمن تلك الحقوق.
ما يقوم به أفراد مليشيا "شرطة الأخلاق" ليس إلا جريمة منظمة يجب مواجهتها لأنها باتت إحدى أدوات الاستبداد وقمع حرية الرأي والتعبير، وليس أوضح على ذلك من تكرار صمت هؤلاء على جرائم كبرى ترتكبها أنظمة حاكمة أو متنفذون، في مقابل تكرار إثارة موضوعات تافهة أو جدلية لإلهاء المجتمعات عن الأزمات الحقيقية.