يبدو المشهد في بلدة القدس القديمة عشية عيد الأضحى مشابهاً لما عاشه المقدسيون تجاراً ومواطنين في أعقاب عملية الطعن التي نفذها شاب فلسطيني من مدينة أم الفحم في فلسطين المحتلة عام 1948 وارتقى في أعقابها شهيدا.
اعتاد المقدسيون بعد كل هجوم يقع في البلدة القديمة أن يصعد الاحتلال من إجراءاته القمعية بحقهم من إغلاق للمحال التجارية والأسواق وفرض قيود على حركة التنقل، وما يتخلل ذلك من استفزازات جنود الاحتلال وإخضاعهم لرواد البلدة القديمة لتفتيش مهين واستفزازي. هذا الواقع انعكس على أعداد المتسوقين، وتفضيلهم الذهاب إلى مدن قريبة في الضفة الغربية قريبة مثل بيت لحم ورام الله، ومنهم من اختار التوجه إلى الشطر الغربي من القدس المحتلة حيث المجمعات التجارية الإسرائيلية الضخمة التي باتت تسجل زيادة كبيرة في أعداد روادها من المقدسيين خلال فترات الأعياد.
التاجر داود أبو عمر، صاحب محل للألبسة في سوق خان الزيت، تحدث لـ"العربي الجديد" عن صعوبة الأوضاع التي يعيشها تجار البلدة القديمة حيث لا تعكس أعداد المتسوقين حالة الشراء الحقيقية، بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية للأسر والعائلات المقدسية مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والتي وصلت نسبتها خلال العامين الحالي والمنصرم إلى أكثر من 80 في المائة.
ويضيف: "في مختصر العبارة هذا ينعكس علينا كتجار يعانون من ملاحقات دوائر الاحتلال الضريبية وحجب الدعم المادي عنا كتجار من قبل السلطة الفلسطينية التي لا تحرك ساكنا، وإن كان ذلك فالمساعدة المقدمة لبعض التجار لا تسدد فواتير الماء والكهرباء أو جزءا ضئيلا من ضرائب الدخل المختلفة".
هذا الواقع يبدو جليا في منطقة باب العمود التي تحوي عشرات المحال التجارية، وبسطات الباعة الجوالين، وبائعات الفواكه والخضروات اللواتي يفترشن الأرض هناك أملا بتسويق ما لديهن قبل مداهمة طواقم النظام في بلدية الاحتلال.
في محل أحمد دنديس التقى "العربي الجديد"، عضو غرفة تجارة القدس، ورئيس لجنة تجار البلدة القديمة، جواد أبو عمر، الذي لم يخف قلقه من واقع صعب يعيشه تجار البلدة القديمة بسبب حالة الركود التجاري وملاحقات بلدية الاحتلال ودائرة الضريبة لهم.
وقال أبو عمر لـ"العربي الجديد": "كما ترى، هذا حال البلدة القديمة كل يوم حتى عشية الأعياد. ما حدث من محاولة لتنفيذ عملية طعن اتخذ منها الاحتلال ذريعة للتنكيل بالتجار والمواطنين، وبات مألوفا أن يغلق أصحاب المحال محالهم في ساعات المساء الأولى بسبب الركود التجاري وضعف حركة الشراء وإقبال المتسوقين".
واعترف أبو عمر بأن المساعدات المقدمة في بعض الأحيان لا تقدم ولا تؤخر، بل لا تشمل جميع التجار المعوزين والمحتاجين لهذا الدعم. ويرى أن تدعيم صمود المقدسيين يتطلب دعما عربيا وإسلاميا وإلا فالمدينة تضيع من أيدي أصحابها.
ما قاله أبو عمر يظهر جليا في شارع الواد، شريان الحركة التجارية في البلدة القديمة الذي يضم العدد الأكبر من المحال التجارية، والذي بات مستهدفا من إجراءات الاحتلال، وممارسات المستوطنين الذين دشنوا مؤخرا محلا لهم وسط الشارع لبيع العصائر والمشروبات.
وأغلق هذا الشارع يوم الجمعة الماضي، بعد عملية الطعن التي استهدفت أحد جنود الاحتلال في منطقة باب المجلس من أبواب الأقصى والمتاخم لشارع الواد. "وأرغم التجار على إغلاق محالهم عقب الهجوم، ونكل بالمارة، وبات مهجورا حتى اليوم التالي في الوقت الذي كان فيه التجار يتهيؤون لعيد الأضحى" كما يقول محمد العجلوني أحد أصحاب المحال التجارية هناك، مشيراً إلى أن الجنود منعوا أصحاب المحال من فتح متاجرهم، في حين تركوا الشارع مستباحاً من قبل المستوطنين.
والد الشهيد عز الدين الياسيني، أحد شهداء مجزرة الأقصى الأولى في الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1990، كان يأمل بأن يضحي هذا العيد عن روح نجله الشهيد وتقربا إلى الله، لكن لم يكن في اليد حيلة كما قال لـ"العربي الجديد": "اليد قصيرة وما في اليد بالكاد يلبي احتياجاتنا في العيد. كنت أتمنى أن أضحي، لكن الحمد لله، ربنا يفرجها على جميع عباده".
تفيد معطيات الغرفة التجارية في القدس المحتلة، كما نقلها لـ"العربي الجديد"، حجازي الرشق أمين سر الغرفة سابقاً، بأن أكثر من 400 محل تجاري في أسواق البلدة القديمة باتت مغلقة بسبب ملاحقات الاحتلال والضرائب الخيالية المفروضة على أصحابهم، والتي سجلت خلال العامين الماضيين زيادة في أعداد هذه المحال فاقت نسبتها الـ 5 في المائة.
ويرى حجازي، أن المطلوب في هذه المرحلة إنقاذ هذا القطاع من انهيار وشيك، و"بدون الدعم المفتوح عربياً وإسلامياً، فقد نشهد مزيداً من الانهيارات على جميع الأصعدة".