ارتسمت على وجه الطفلة مريم أبو مراحيل (3 سنوات) والمصابة بمرض السرطان، ابتسامة عريضة وهي تشاهد الحركات البهلوانية تؤديها أول مهرجة فلسطينية من مدينة غزة، الشابة دينا نصار. جذبتها الملابس الملونة والأنف الأحمر، وباروكة الشعر والنظارة الوردية.
وتقول والدة الطفلة أبو مراحيل إن طفلتها كانت تعاني من مشكلة في أنسجة الرأس، فأجروا لها التحاليل الطبية اللازمة وأخذوا عينة من أنسجة الرأس، إلى أن اكتشفوا المشكلة، وأبلغوهم بإصابة مريم بورم سرطاني يتوسط ما بين الخبيث والحميد.
وتوضح لـ "العربي الجديد" أن ابنتها استمرت في تلقي العلاج في مستشفيات الداخل الفلسطيني المُحتل عام 1948، ومستشفيات مدينة غزة، وانقطعت لفترات عن العلاج نتيجة النقص والحرمان من السفر المتواصل، ما اضطرها إلى الحصول على جرعات بديلة أقل تأثيراً.
وعن تفاعل الطفلة مع المُهرجة نصار، توضح أنها تسعد كثيراً بمراقبة الحركات التي تؤديها، والأصوات التي تحاول من خلالها التفاعل مع الأطفال، مبينة أنها تروي تلك التفاصيل لأشقائها حين ترجع إلى البيت بعد الانتهاء من تناول الجرعة العلاجية.
وتحاول المهرجة الفلسطينية دينا نصار (23 عاماً) أن تخفف من آلام أطفال مرضى السرطان في مدينة غزة، والمتطوعة منذ خمس سنوات، وإسعادهم عبر حركاتها المضحكة، خصوصاً بعد أن فقدت والدها بنفس المرض.
وتقول المهرجة المعروفة باسم "سمسم"، وهي متطوعة ضمن مؤسسة بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان، في حديث مع "العربي الجديد" إنها بدأت العمل مدرسة موسيقى وعازفة "أورغ" ومدربة دبكة شعبية، وتدريس حلقات رسوم متحركة "أنيميشن"، مضيفة: "قمت بزيارة المستشفيات برفقة عدد من المهرجين الذكور، ورأيت مدى اندماج الأطفال مع حركاتهم".
وتتابع: "شجعني ذلك على أن أصبح أول مهرجة، بلباس مختلف وشكل لافت، وقمت بذلك فعلاً وحظيت بقبول عند الأطفال، خاصة وأن شكلي غير ملون، وغير مخيف"، مشيرة إلى أنها تعتمد على اللباس والحركات، لتبدو أكثر طبيعية "وجدت استجابة كبيرة، فزادت رغبتي في تقديم المزيد".
وتوقفت دينا لفترة عن عملها مهرجة، إلى أن أصيب والدها بمرض السرطان، وحينها قررت العودة للتطوع داخل المستشفيات، وكانت تقدم العلاج لوالدها بلباس وحركات المهرج التي تؤديها مع الأطفال، إلى أن توفي متأثراً بالمرض.
وتشير إلى أن معاناة والدها مع المرض منذ البداية حتى النهاية، دفعتها لمواصلة العمل، مبينة أنه انتقل في الفترة الأخيرة لمستشفى عبد العزيز الرنتيسي في مدينة غزة، وهو المستشفى ذاته الذي تقدم فيه العروض لأطفال مرضى السرطان.
وفيما يتعلق بردة فعل أهالي المرضى، تقول إنها بالمجمل إيجابية، خاصة في ظل تفاعل الأطفال مع الحركات والألعاب والفقرات التي يتم تنفيذها، مبينة أنها تجاوزت النظرة السلبية للمجتمع، من خلال إصرارها على تخفيف ألم الأطفال.
وتقول المهرجة نصار والتي حصلت على دورة مكثفة في "المهرج الطبي" من خلال فريق دولي زار غزة: "كل شخص يمكنه تقديم المساعدة لهذه الفئة المهمة من الأطفال، عليه أن يقدمها مهما كانت الظروف"، داعية الفتيات كذلك إلى إثبات دورهن في المجتمع.
من ناحيتها؛ تقول سها صافي، والدة الطفلة عهد صافي (10 سنوات) أن طفلتها تعاني من "فانكوني أنيميا" وهو مرض وراثي يسبب فشل نخاع العظام، وتحتاج إلى زراعة نخاع منذ ثلاث سنوات، مبينة أنها تعيش حتى اللحظة على تغيير الدم، والصفائح.
وتشير لـ "العربي الجديد" أنه على الرغم من الألم الشديد، وانعدام فرص العلاج باستثناء زراعة النخاع، إلا أن طفلتها تحب زيارة المستشفى حتى تلتقي بفرق المهرجين، "تتفاعل مع الفقرات، خاصة فقرة توزيع الألعاب".
من جانبه؛ يوضح الطبيب محمود شبير رئيس قسم الدم والأورام -أطفال، في مستشفى عبد العزيز الرنتيسي، أنه القسم الوحيد في قطاع غزة الذي يقدم الرعاية الصحية لأطفال مرضى السرطان ما دون 12 عاماً، ويحتوي على 14 سريراً فقط، منها مجموعة أسِرة مخصصة للرعاية النهارية لمرضى "الثلاسيميا"، ويقوم برعايتهم ثلاثة أطباء وستة ممرضين.
ويبين لـ "العربي الجديد" أن عدد متلقي العلاج الفعليين في القسم نحو 600 مريض يتم تقسيمهم وفقاً لأسلوب المتابعة، ونوعية المرض، إلى جانب متابعة بعض المرضى بعد إنهاء العلاج، موضحاً أنه يتم تشخيص من بين 80 – 90 حالة سرطان أطفال سنوياً.
ويشير شبير إلى تقسيم المرضى على ثلاث عيادات، للأورام الصلبة، والأورام السائلة الخاصة بسرطان الدم، أما الثالثة فيتم تخصيصها لأمراض الدم بخلاف السرطان مثل تكسر الدم، مبيناً أن بعض المرضى يحتاجون إلى العلاج الكيميائي، بينما يحتاج بعضهم الآخر إلى العلاج من مضاعفات العلاج الكيميائي، مثل نقص المناعة، السخونة، الالتهابات، وغيرها.