داخل أحياء قديمة تفتقر إلى الخدمات الضرورية، توجد مئات العائلات الفلسطينية في العاصمة العراقية بغداد، معلقة على قائمة انتظار برنامج الأمم المتحدة الذي تولى عملية إعادة توطينهم، بسبب ظروفهم المعيشية والإنسانية الصعبة.
وتفاقمت معاناة اللاجئين الفلسطينيين بسبب عمليات الاعتقال والتهجير والاستهداف على أسس طائفية وعنصرية من قبل مليشيات مسلحة مدعومة من طهران، عدا عن استهداف الجيش الأميركي لهم من خلال حملات اعتقال بلغت ذروتها عامي 2005 و2006، إلى جانب إلغاء القرار 202 الذي كان يضمن لهم عيشاً كريماً مثل المواطن العراقي، وما تلاه من اجتهادات مديري دوائر ومسؤولي مؤسسات عراقية على ضوء إلغاء هذا القرار.
يقول أحمد زهدي، الذي يسكن مع أسرته في حي الزعفرانية جنوب شرقي بغداد، إنهم يعانون فعلياً من ظروف صعبة بسبب إلغاء القرار 202.
ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ "القرار حرمنا من البطاقة التموينية وميزات أخرى، حيث نص على حرمان الفلسطيني من التمتع بنفس حقوق العراقيين، وكوني موظفا حكوميا ستُحرم عائلتي بعد وفاتي من الحقوق التقاعدية، كل هذا صعب بالنسبة لنا".
ويتابع "يغلب على المجتمع العراقي اليوم الطابع العشائري، ونحن كفلسطينيين لسنا من أصحاب العشائر الكبيرة. وتفاديا للمشاكل، حرمت ابني من إكمال دراسته بعد أن تعرّض لمضايقات وتهديدات. كما أن منزلي تعرّض لسرقة أثاث وذهب وأموال كنت أدخرها للزمن ولم أذهب للشكوى خوفاً من تبعات الموضوع".
بدورها، تقول إنعام نمر العدوان، وهي فلسطينية وُلدت وعاشت في العراق، لـ"العربي الجديد"، "إلغاء القرار 202 نسف حتى الفتات الذي كان يسمى حقوق اللاجئ الفلسطيني... نحن محرومون من أبسط حقوق العيش الآدمي هنا".
وتضيف "راتب زوجي قليل ولا يكفي لإعالتنا، وفي حالة وفاته بعد عمر طويل سنُحرم من التقاعد، بسبب إلغاء القرار 202. نحن محرومون من السكن والأمان والتقاعد والرعاية الاجتماعية، أين حقوق اللاجئ الفلسطيني؟".
يطالبون الحكومة بإعادة حقوقهم (العربي الجديد) |
وتطالب المتحدثة "الحكومة العراقية بإعادة حقوق اللاجئين، من خلال نص قانوني يخول لهم الحصول على البطاقة التموينية، بالنظر إلى ظروفهم الصعبة"، مشيرة إلى أنها تسكن مع عائلتها المكونة من ثمانية أفراد في غرفة عند أهلها وفي ظروف استثنائية صعبة، لوجود معوقين اثنين في أسرتها".
من جهته، يبيّن الخبير القانوني أحمد الزيدان لـ"العربي الجديد": أن "الوجود الفلسطيني في العراق كان من عام 1948، ولم تشرع قوانين تحدد حالة اللاجئ الفلسطيني في البلاد حتى عام 1969 في عهد الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر، حيث شرع قانون 361 والذي حدد بموجبه معاملة الفلسطينيين كالعراقيين. وفي عام 1980 بدأت المضايقات تلاحق الفلسطينيين في العراق، من خلال منع امتلاكهم للأرض أو السيارة أو المحال التجارية، وكذلك تم حصر الكثير من الموظفين في أماكن دون مستواهم الوظيفي وتهميشهم".
ويضيف الزيدان "صدر القانون 202 وكان أحد أسبابه لقاء صدام حسين مع اثنين من الفلسطينيين حملة شهادة الدكتوراه، حيث أوضحا له تفاصيل معيشة اللاجئ الفلسطيني، فأصدر القرار 202، وقد ألغي في عام 2017، وهذا الإلغاء ولّد حالة من الإرباك لدى الفلسطينيين زادت عليهم همومهم ومآسيهم".
ويشير المتحدث إلى أنّ هذا القرار جرّد الفلسطينيين من كل مقومات الحياة بصورة أو بأخرى، مما أجبر الكثير من العائلات على النزوح إلى خارج العراق.
ويبيّن الزيدان أن الفلسطيني اليوم لا يملك وسيلة للخروج من العراق لرؤية أولاده، فمن مجموع 45 ألف فلسطيني كانوا يقيمون في العراق، لم يتبق سوى 4000 شخص، وهذه معاناة أخرى تنضاف إلى ما سبق ذكره.
ويضيف: "لا يمكن لفلسطيني داخل العراق، الخروج لرؤية أولاده، لعدم وجود جواز أو وثيقة معترف بها دولياً، كما لا يمكنه الدخول إلى العراق لرؤية أهله"، مشيرا إلى مناشدة الكثير من الفلسطينيين للحكومة العراقية إصدار جواز سفر ولو مؤقت لهم، غير أنها لم تبد أي استجابة".
في السياق، يقول الفلسطيني مصطفى أحمد زهدي لـ"العربي الجديد": "كانت تحدث لي مضايقات كثيرة في المدرسة، وحرصاً على سلامتي، ولأننا في مجتمع عشائري أجبرني أبي على ترك الدراسة، وحرمت من التعليم، إضافة إلى عدم مزاولة أي نشاط إلا برفقة أبي، حرصاً على سلامتي".
بدورها، تقول سرى علاء لـ"العربي الجديد": "أكملت دراستي الثانوية على أمل دخول كلية الحقوق، لكن ظروفنا المعيشية الصعبة وأوضاعنا في منطقة الزعفرانية، حيث نعاني من مضايقات كثيرة، أجبرتني على عدم تحقيق حلمي في أن أكون محامية".
أما الحاج نمر العدوان (85 عاماً) فيقول: "أنا لاجئ فلسطيني قدمت إلى العراق في عام 1984 وكان عمري حينها 8 سنوات، بناء على طلب من الحكومة العراقية، وأتذكر حين جاء الوصي عبد الإله إلى جنين ليصطحب الفلسطينيين إلى العراق، وفعلا تم ذلك"، ويشير إلى أن الفلسطينيين يشتكون من الظروف العامة التي يمر بها البلد، حالهم في ذلك حال العراقيين.