التحفت تونس بالسواد منذ ظهر الأحد، إثر الإعلان عن مقتل 22 من أبنائها الشباب وإصابة 27 آخرين بجروح متفاوتة الخطورة في حادث انقلاب حافلة سياحية بمنطقة عين السنوسي الرابطة بين محافظتي باجة وجندوبة شمال غربي البلاد في حصيلة أولية، ارتفعت لاحقاً إلى 26 قتيلاً.
وتودع تونس، اليوم الإثنين، 26 من شبابها وسط لوعة الثكالى وحزن يخيم على التونسيين جميعاً، بانتظار نتائج التحقيق في ملابسات الحادث التي تنتظرها العائلات والرئاسات الثلاث أيضاً.
ولم يكن هناك ما يدعو للقلق وفق حديث عدنان السعيدي زميل الضحايا بمعهد الحرية بالمحمدية، فأصدقاؤه حسب ما قاله لـ"العربي الجديد"، "اعتادوا تنظيم هذه الرحلات الاستكشافية عبر مجموعات في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وهو أمر معتاد لديهم بمجرد توفر مجموعة هامة من المتحمسين للمشاركة في رحلة استكشافية لمنطقة".
والرحلة لم تنظمها جهة رسمية أو خاصة معلومة، وإنما جرى التنسيق لها باتصال من الشباب بعد تجميع ثلاثة وأربعين مشاركاً والتواصل مع شركة مختصة في تأجير الحافلات والانطلاق نحو الوجهة المحددة، وفق ما قاله السعيدي.
لكن أصابع الاتهام وجهت لأكثر من طرف، فالطريق وعرة وتتخللها منحدرات حادة ومرتفعات خطرة، والوكالة التي تعهدت بتوفير الحافلة مجهولة الهوية، كما أن الحافلة مستخدمة منذ أكثر من 15 عاماً، وفق المعلومات الأولية المعلن عنها.
وشهدت الطريق ذاتها حادثتين مماثلتين في وقت سابق لم تسفرا عن قتلى، لكنهما خلفتا عشرات الجرحى أيضاً، ولم يتم العمل على تحسين هذه الطريق، ما جعلها ممراً نحو الموت وفق تأكيد ساكني جهة عين السنوسي الرابطة بين محافظتي باجة وجندوبة شمال غربي البلاد.
وبين فلكلور الزيارات الرسمية للجرحى، وحقيقة وضع المستشفيات الجهوية، اتضحت الهوة الكبيرة بين فاجعة الواقع وبروباغندا السلطة. فمنذ وقوع الحادث، عجز المستشفى المحلي بعمدون بباجة عن استقبال الحالات بمفرده، ما دعاه لطلب النجدة من الحماية المدنية والمستشفيات الجهوية والجامعية، في حين نقلت الحالات الخطيرة إلى العاصمة وتم توزيعها على أربعة مستشفيات جامعية بها.
وسارعت وزارة الصحة إلى إعلان اكتفائها من وحدات الدم وقدرتها على معالجة الضحايا، إضافة إلى تخصيصها خلية لإرشاد العائلات عن وضعية أبنائها وإحاطتها نفسيا، في حين مكثت عائلات القتلى والمصابين منذ ظهر الأحد إلى نهاية الليل في باحة المستشفيات منتظرةً معرفة مصير أبنائها.
ولم يطلب منذر، شقيق أحد الضحايا، وفق حديثه لـ"العربي الجديد" إلا معرفة معطيات عن شقيقه ووضعه الصحي وما إذا كان على قيد الحياة أم قد فارقها. وأضاف أنه منذ إعلان نبأ وقوع الحادث سارع كغيره من أقارب المشاركين في الرحلة إلى مستشفى شارل نيكول بالعاصمة باحثاً عنه لا سيما بعد إعلان وزارة الصحة تخصيصها خلية إرشاد.
ووسط تزاحم العائلات وتوافد العشرات على المستشفى، لا تزال المعطيات ضبابية خصوصاً مع إرجاء تسليم جثامين القتلى إلى اليوم الإثنين من أجل التثبت من الهويات.
وبالتوازي مع ذلك، وجهت النيابة العمومية تهمة القتل العمد لكل من سيكشف عنه البحث، وحاولت حماية مكان الحادثة من توافد المواطنين، وأصدرت أذوناً لدفن الضحايا، مع التحفظ على جثمان سائق الحافلة لإخضاعه للتشريح في إطار الأبحاث الأولية في القضية.
وزار رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس حكومة تصريف الأعمال يوسف الشاهد المستشفى المحلي بعمدون، الذي استقبل أول الضحايا فور وقوع الحادث، وإلى مستشفى الحروق البليغة ومستشفى شارل نيكول بالعاصمة.
وقال سعيد عقب هذه الزيارة إن تونس "تعاني إرهاب الطرقات نتيجة كثرة الحوادث، هناك قرارات يجب أن تتخذ بسرعة في قطاع الصحة، فمن غير المعقول غياب التجهيزات الطبية وصعوبة إدخالها عبر الجمارك في حين يمكن إدخال المخدرات بسهولة".
وانتقد الرئيس وضع المستشفيات الجهوية والمحلية التي تسجل نقصا فادحا في الأجهزة، خاصة المتطورة والضرورية منها والطاقم الطبي. ووجه سعيد رسالة حادة لمجلس نواب الشعب قائلاً: "إذا كانت التشريعات سبب هذه التعقيدات الإدارية فما على المشرع إلا تحمل مسؤوليته". ولم يعلن سعيد عن الحداد الوطني رغم حجم حصيلة القتلى، فيما أعلنت المنظمة النقابية عن إلغاء كل مظاهر الاحتفالات بذكرى اغتيال فرحات فشاد المزمع إجراؤه في الرابع من هذا الشهر.
كما زار رئيس البرلمان راشد الغنوشي الجرحى بمستشفى شارل نيكول بالعاصمة، وصرّح عقب الزيارة بأن "المأساة التي جدت أدخلت اللوعة في قلوب التونسيين جميعاً".
وعبّر في هذا الصدد عن تضامنه مع العائلات. ودعا الغنوشي نواب محافظات الشمال الغربي إلى جلسة طارئة الإثنين، من أجل تقديم احتياجات جهاتهم ودراستها.