لا يضمّ المكان قبوراً فحسب، بل هناك بحر وآثار وصخور. هي ببساطة المقبرة البحرية في المهدية، وسط تونس. هي مقبرة لا تشبه بقية المقابر، إذ تقع في برج الرأس؛ أي في مكان متقدم من البحر الذي تطلّ عليه من ثلاث جهات، في موقع مميز يأسر زائرها الذي تجذبه المتناقضات.
هنا عبق الماضي وروح الحاضر، هنا يدفن الموتى ويأتي الأحياء للتمتع بجمال المكان. وهنا يستمتع السائحون بتخليد مشاهد قد توثقها الصور لكنّها لا ترتقي إلى جمال اللحظة، ربما لأنّها صامتة صمت القبور، هنا العشاق يتواعدون ويحلمون بالمستقبل، بينما الموتى في قبورهم المطلة على البحر.
ما يميز مقبرة المهدية موقعها السياحي الفريد، فهي تقع في قلب المدينة، ويشقها طريق كثيف الحركة، ويعبرها يومياً السكان والزائرون من الأطفال والنساء والشيوخ والمراهقين، بينما مراكب الصيد راسية، وأبراج أثرية تحيط بالقبور، ومنازل هنا وهناك.
تجلس مروى بن رجب، بالقرب من قبر والدها تتلو الفاتحة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تشعر براحة كبيرة عندما تزور قبر والدها، فالمكان يبعث على السكينة والهدوء بل إنّها كثيراً ما تنشد هنا لحظات من الصفاء بعيداً عن الضوضاء. تضيف أنّ بعض أفراد عائلتها الممتدة من سكان برج الرأس دفنوا هنا. بجوار والدها المتوفى، قبور محاطة بقطع من الرخام مشكلة سياجاً صغيراً في شكل مربع. هو المكان المخصص لموتى العائلة.
تقول إنّها زارت العديد من المقابر، لكنّ المقبرة البحرية بالنسبة إليها هي الأجمل، حتى إنّ إحدى قريباتها وهي من محافظة أخرى، أسرّت إليها أنّها تتمنى أن تدفن في هذا المكان.
بدورها، تلفت وداد بلخيرية، وهي من سكان المهدية، إلى أنّ المقبرة البحرية تتميز بموقعها الاستراتيجي، لكنّ الدفن هنا غير متاح إلّا لأهالي المهدية الأصليين، خصوصاً القريبين منها. تتابع أنّ لدى بعض العائلات أماكنها الخاصة في المقبرة، مضيفة لـ"العربي الجديد": "الغرباء عن المنطقة، أي من استقروا حديثاً في المهدية سواء للعمل أو حتى السكن الدائم، عادة ما يدفنون في مقابر أخرى".
تضيف أنّ المقبرة البحرية مختلفة لأنّها "قبلة للزائرين، كما أنّها لا تبعث على الحزن، بل تقع في مكان جميل جداً إلى حدّ أنّ أيّ شخص قد يتمنى أن يدفن هنا".
يرجح الشيخ رضا حمودة، من المهدية، أن يعود تاريخ دفن عائلته أمواتها في المقبرة إلى ثمانين عاماً مضت على الأقل، إذ إنّ جده مدفون فيها، وكذلك أعمامه والكثير من أقاربه. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ المهدية تضم العديد من المقابر، وكانت فيها "مقبرة اليهود"، لكنّ المقبرة الوحيدة المطلة على البحر والأقدم في المهدية هي المقبرة البحرية.
من جهته، يؤكد المعلم المتقاعد من "المدرسة الصادقية" وأحد سكان برج الرأس بالمهدية، أحمد الباجي، لـ"العربي الجديد" أنّ المقبرة البحرية في المهدية واحدة من المقابر القليلة حول العالم المقامة على البحر.
يشير إلى أنّها شيّدت بعد نهاية الدولة الصنهاجية (نهايتها كانت عام 1060)، وهي تقع في وسط المدينة، بينما كان خلفها ميناء قديم. يضيف أنّ الآثار المنتشرة هناك هي بقايا البرج الفاطمي الذي يحيط بالمقبرة.
اقــرأ أيضاً
ويوضح الباجي أنّ من بين الشخصيات التي دفنت في المقبرة البحرية العديد من العلماء والشخصيات السياسية والدينية، ومن بينهم الطاهر صفر، وهو من مؤسسي الحزب الحرّ الدستوري الجديد، وصديق الزعيم الحبيب بورقيبة، وهو سياسي وأديب واقتصادي من أبناء المهدية توفي عام 1942. وهناك أيضاً البشير التركي، وهو عالم ذرة من أبناء المهدية، ترأس عام 1969 اجتماع المؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتوفي عام 2009.
يشير الاختصاصي في التاريخ، عبد الستار عمامو، إلى أنّ ما يجعل مقبرة المهدية مختلفة، هو أنّها في قلب المدينة، إذ يشقها طريق، وحركة التنقل إلى الأحياء المجاورة والمنازل المحيطة بالمقبرة، تنطلق من هذا الطريق.
يضيف عمامو لـ"العربي الجديد" أنّ ميزة المقبرة البحرية أنّها جزء من المدينة ومن الحركة العادية للسكان، أي يمكن المرور ليلاً ونهاراً لأنّ المكان أليف. يروي عمامو طرفة: "في أحد الأعراس، مرّ موكب العروس من الطريق الذي يشق المقبرة وكانت الزغاريد والرقص، مع أنّنا اعتدنا على أن تكون أجواء المقابر مختلفة. وهو ما يدلّ على أنّ هذه القبور جزء من الحياة العادية للسكان، بل نجد هنا السائحين والعشاق أيضاً".
ويقول إنّ مقابر أخرى كانت تطل على البحر مثل سيدي عبد العزيز بالمرسى، والحمامات، والمنستير، لكنها اندثرت بسبب التوسع العمراني.
هنا عبق الماضي وروح الحاضر، هنا يدفن الموتى ويأتي الأحياء للتمتع بجمال المكان. وهنا يستمتع السائحون بتخليد مشاهد قد توثقها الصور لكنّها لا ترتقي إلى جمال اللحظة، ربما لأنّها صامتة صمت القبور، هنا العشاق يتواعدون ويحلمون بالمستقبل، بينما الموتى في قبورهم المطلة على البحر.
ما يميز مقبرة المهدية موقعها السياحي الفريد، فهي تقع في قلب المدينة، ويشقها طريق كثيف الحركة، ويعبرها يومياً السكان والزائرون من الأطفال والنساء والشيوخ والمراهقين، بينما مراكب الصيد راسية، وأبراج أثرية تحيط بالقبور، ومنازل هنا وهناك.
تجلس مروى بن رجب، بالقرب من قبر والدها تتلو الفاتحة. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها تشعر براحة كبيرة عندما تزور قبر والدها، فالمكان يبعث على السكينة والهدوء بل إنّها كثيراً ما تنشد هنا لحظات من الصفاء بعيداً عن الضوضاء. تضيف أنّ بعض أفراد عائلتها الممتدة من سكان برج الرأس دفنوا هنا. بجوار والدها المتوفى، قبور محاطة بقطع من الرخام مشكلة سياجاً صغيراً في شكل مربع. هو المكان المخصص لموتى العائلة.
تقول إنّها زارت العديد من المقابر، لكنّ المقبرة البحرية بالنسبة إليها هي الأجمل، حتى إنّ إحدى قريباتها وهي من محافظة أخرى، أسرّت إليها أنّها تتمنى أن تدفن في هذا المكان.
بدورها، تلفت وداد بلخيرية، وهي من سكان المهدية، إلى أنّ المقبرة البحرية تتميز بموقعها الاستراتيجي، لكنّ الدفن هنا غير متاح إلّا لأهالي المهدية الأصليين، خصوصاً القريبين منها. تتابع أنّ لدى بعض العائلات أماكنها الخاصة في المقبرة، مضيفة لـ"العربي الجديد": "الغرباء عن المنطقة، أي من استقروا حديثاً في المهدية سواء للعمل أو حتى السكن الدائم، عادة ما يدفنون في مقابر أخرى".
تضيف أنّ المقبرة البحرية مختلفة لأنّها "قبلة للزائرين، كما أنّها لا تبعث على الحزن، بل تقع في مكان جميل جداً إلى حدّ أنّ أيّ شخص قد يتمنى أن يدفن هنا".
يرجح الشيخ رضا حمودة، من المهدية، أن يعود تاريخ دفن عائلته أمواتها في المقبرة إلى ثمانين عاماً مضت على الأقل، إذ إنّ جده مدفون فيها، وكذلك أعمامه والكثير من أقاربه. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ المهدية تضم العديد من المقابر، وكانت فيها "مقبرة اليهود"، لكنّ المقبرة الوحيدة المطلة على البحر والأقدم في المهدية هي المقبرة البحرية.
من جهته، يؤكد المعلم المتقاعد من "المدرسة الصادقية" وأحد سكان برج الرأس بالمهدية، أحمد الباجي، لـ"العربي الجديد" أنّ المقبرة البحرية في المهدية واحدة من المقابر القليلة حول العالم المقامة على البحر.
يشير إلى أنّها شيّدت بعد نهاية الدولة الصنهاجية (نهايتها كانت عام 1060)، وهي تقع في وسط المدينة، بينما كان خلفها ميناء قديم. يضيف أنّ الآثار المنتشرة هناك هي بقايا البرج الفاطمي الذي يحيط بالمقبرة.
يشير الاختصاصي في التاريخ، عبد الستار عمامو، إلى أنّ ما يجعل مقبرة المهدية مختلفة، هو أنّها في قلب المدينة، إذ يشقها طريق، وحركة التنقل إلى الأحياء المجاورة والمنازل المحيطة بالمقبرة، تنطلق من هذا الطريق.
يضيف عمامو لـ"العربي الجديد" أنّ ميزة المقبرة البحرية أنّها جزء من المدينة ومن الحركة العادية للسكان، أي يمكن المرور ليلاً ونهاراً لأنّ المكان أليف. يروي عمامو طرفة: "في أحد الأعراس، مرّ موكب العروس من الطريق الذي يشق المقبرة وكانت الزغاريد والرقص، مع أنّنا اعتدنا على أن تكون أجواء المقابر مختلفة. وهو ما يدلّ على أنّ هذه القبور جزء من الحياة العادية للسكان، بل نجد هنا السائحين والعشاق أيضاً".
ويقول إنّ مقابر أخرى كانت تطل على البحر مثل سيدي عبد العزيز بالمرسى، والحمامات، والمنستير، لكنها اندثرت بسبب التوسع العمراني.