لا يتوقف الفلسطيني الثلاثيني محمد أبو كميل، من مدينة غزة، عن زيارة المدارس والمعاهد والمؤسسات المحلية، بهدف خلق حالة من الوعي المجتمعي حول أصحاب الإعاقة، توضح واقعهم وآمالهم وتطلعاتهم المستقبلية.
ويسعى أبو كميل عبر أنشطته والتي ينفذها بدافع شخصي وتطوع ذاتي لتوعية شرائح المجتمع بشكل عام، وطلبة المدارس والمعلمين على وجه التحديد بتفاصيل عن الأشخاص أصحاب الإعاقة، والطرق السليمة والصحيحة للتعامل معهم.
ويتطلع من خلال جولاته المكوكية إلى كسر الحاجز النفسي، وتغيير الصورة النمطية الخاطئة عن الأشخاص ذوي الإعاقة، وإثبات أنهم أشخاص طبيعيون، لا يختلفون بشيء عن الأشخاص بدون إعاقة.
واستطاع أبو كميل عبر مئات اللقاءات والتي تمت بينه وبين آلاف الطلبة والطالبات تحقيق جزء من هدفه، إلا أنه يسعى لمواصلة عمله التطوعي، على الرغم من عدم دعمه من أي مؤسسة، إيماناً منه بضرورة إيصال الرسالة، وتعميم الفكرة.
ويقول محمد أبو كميل 30 عاماً، وهو خريج بكالوريوس إدارة الأعمال، ودبلوم عالٍ في إدارة مؤسسات المجتمع المدني، إنه أصيب بإعاقة حركية بسبب نقص في الأكسجين أثناء الولادة، إلا أن إعاقته لم تمنعه عن تنفيذ العديد من الأنشطة التطوعية المختلفة.
ويضيف في حديث مع "العربي الجديد": "من واقع تجربتي الشخصية، ومعايشتي اليومية للإعاقة الحركية منذ الطفولة، والنظرة السلبية التي أراها في عيون عدد من الأشخاص في المجتمع، ومنها نظرة الشفقة أو الانتقاص من الأشخاص ذوي الإعاقة، قررت تغيير تلك النظرة، عبر توعية الجميع بأن صاحب الإعاقة شخص طبيعي، لا تعيبه إعاقته، وإنما تعيقه مجموعة عوائق مجتمعية".
وعن اللقاء الأول يقول: "توجهت لأول مدرسة لتنفيذ الفكرة، كان ذلك بعد تخرجي من الجامعة مباشرة، شعرت حينها بنظرة استغراب من الطلبة، كانت المرة الأولى التي يتجول بينهم شخص بكرسي متحرك". وتابع: "بدأت الحديث بأنني شاب على كرسي متحرك، وأعرف أن مجموعة أسئلة تدور داخل رؤوسكم، سأجيب عنها جميعاً"، مبيناً أنه فصّل في حواره مع الطلبة مفهوم الإعاقة بما تضمنته الاتفاقيات الدولية، والحديث عن الحواجز الحقيقية التي يعاني منها الشخص صاحب الإعاقة.
وأشار إلى أنه ركز عبر لقاءاته المتكررة على طلاب المدارس على اعتبار أنهم أجيال المستقبل، والذين سيعملون في المؤسسات المحلية والدولية ويصبحون قادة المجتمع، مضيفاً: "حتماً سيساهم ذلك في تغيير تعاملهم المستقبلي، ويخلق حالة من الوعي العام بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة".
ويركز أبو كميل في بداية كل لقاء على توضيح مجموعة من النقاط، أبرزها أن الإعاقة ليست بالشخص، وإنما في الحواجز التي تواجهه، وتمنعه من المشاركة في الأنشطة والفعاليات، إلى جانب دور المجتمع في إزالة تلك الحواجز، كي يتمكن من المشاركة بكل سلاسة.
ويفصل أبو كميل الحواجز، ومنها الحواجز النفسية، والتي تنتج من نظرة الانتقاص، كذلك الحواجز البيئية، وعدم مواءمة الأماكن للأشخاص أصحاب الإعاقة، ما يمنعهم من المشاركة والوصول، إلى جانب الحاجز التوَجُهي ويشمل نظرة الشفقة والعطف، ويقول: "أنا لست معاقاً، ولكن وفر لي الطريق كي أشارك في كل الأنشطة بشكل طبيعي".
ولاقت اللقاءات نجاحاً كبيراً، وأثراً نفسياً إيجابياً لدى أبو كميل وجميع من حضر تلك اللقاءات، والتي استقبل خلالها تساؤلات الطلبة عن كيفية حركته، وأبرز تحدياته، وكيف يمكنهم مساعدته، وحَفّز لديهم النظرة الإيجابية نحو لأشخاص أصحاب الإعاقة.
ويطمح أبو كميل لأن تلتفت مؤسسات المجتمع المدني إلى فكرته بهدف نشرها وتعميمها، وأن يتم تطبيقها في كل المدارس، على اعتبار أن كل عام ينشأ جيل جديد، ومن المهم متابعة تلك الأجيال، والتأثير فيها جميعاً، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الفائدة، التي تنعكس إيجاباً على واقع وحياة ومستقبل الأشخاص ذوي الإعاقة.
ويعتبر محمد أن الإعاقة ليست عيباً، أو مرضاً، أو انتقاصاً من قدر أصحابها، وإنما هي تنوع بشري طبيعي، لكن الحواجز تجتمع لتمنع صاحب الإعاقة من ممارسة حياته بشكل طبيعي، مضيفاً: "أتمنى من الجميع المشاركة لإزالة تلك الحواجز المعنوية والواقعية، حتى نتمكن من عيش حياة كريمة، ونكون شركاء في بناء المجتمع إلى جانب الأشخاص بدون إعاقة".