لم يعد المصريون يستقبلون شهر رمضان مثلما كانوا يفعلون في السابق على خلفية الظروف الاقتصادية، لا سيّما غلاء المعيشة التي تطاول شرائح كثيرة في المجتمع. وعادات رمضان وتقاليده في مصر لطالما اختلطت ما بين المتوارث من الحقبات المختلفة، الفاطمية والأيوبية والمملوكية، بالإضافة إلى العادات الإسلامية. وهذا الخليط يضفي أجواءً من البهجة، لا سيّما مع تنوّع الزينة وكذلك الأطباق، في حين تمتدّ الولائم طوال أيام الشهر الفضيل من بيت إلى بيت ومن شارع إلى شارع.
وعشيّة رمضان، لا يخفي المصريون الصعوبات والتحديات التي يواجهونها بسبب الغلاء الذي أدّى إلى تدنّي القدرة الشرائية وعدم إمكانية الاستعداد لاستقبال شهر الصوم مثلما كانت الحال في الأعوام الماضية. المستهلك يشكو من رفع الأسعار والتاجر من تدنّي الحركة، في حين أنّ الحكومة لا تراقب السوق مع اقتراب الشهر الذي يحمل عادة الخير والبركة. وبينما اعتاد المصريون أن تكون موائدهم عامرة، وصل الأمر هذا العام بآلاف الأسر المصرية إلى الاستعداد لشهر رمضان بنظام "كلّ يوم بيومه"، أي أنّ المائدة تكون بحسب ظروف اليوم.
وما يزيد من صعوبة شهر رمضان هذا العام في مصر، تزامنه مع نهاية العام الدراسي في المدارس والجامعات على حدّ سواء. ففي مثل هذه الأيام، ينتعش سوق الدروس الخصوصية، الأمر الذي يمثّل عائقاً مالياً كبيراً أمام الأهالي، ويرفع البعض شعار "التعليم أهمّ"، في حين تُضاف إلى ذلك بدلات إيجار السكن وفواتير الكهرباء والغاز والمياه. وراح المواطنون يبحثون عن حلول، فأعلن عدد منهم حالة تقشّف عبر تقنين العزائم وإلغاء بعضها وتقليص كميات السلع. آخرون اشتركوا في جمعيات أُنشئت بين الأهل والأصدقاء للتمكّن من شراء بعض احتياجات الشهر، في حين استفاد البعض من الأقارب المغتربين لدعم ميزانية شهر الصوم.
في جولتها بين المواطنين، لاحظت "العربي الجديد" أنّ بهجة رمضان ضاعت وحلّ مكانها الحزن واليأس. أحمد درويش، مهندس، يقول إنّ "أجواء شهر رمضان اختلفت، فالناس لم تعد مهتمة كثيراً بالزينة بل بشراء مستلزمات الشهر بسبب الغلاء"، لافتاً إلى أنّ "الزينة في الأحياء الراقية تختلف عن تلك التي نجدها في الأحياء الشعبية". يضيف أنّ "الاستعدادات في الأحياء الشعبية بدأت فقط قبل أيام قليلة من بداية الشهر، عن طريق جمع المال من السكان بهدف تزيين الشوارع بالأوراق الملوّنة التي تتخذ أشكالاً مختلفة تتخللها فوانيس ملوّنة كذلك ويتوسّطها نموذج مسجد صغير. كذلك عمد البعض إلى وضع فوانيس رمضان على شرفات البلكونات". ويتابع درويش أنّ "عقود النور" لم توضع في الشوارع والحواري الشعبية، على خلفية ترشيد استهلاك الكهرباء.
من جهته، يرى عبد الله أبو الحسن، موظف، أنّ "الناس عاجزون عن شراء مستلزمات الشهر الكريم الأساسية من أرزّ وزيت وسكر ولحوم. أمّا الياميش فهو من السلع التي يُحرم منها الغلابة، خصوصاً بعدما صارت أسعار بعض أنواعه خيالية، واضطر المواطنون بمعظمهم إلى تقليل كميّات البلح وجوز الهند التي يشترونها، في حين امتنع آخرون عن شرائها نهائياً". أمّا سيدة محمد، ربة منزل، فتقول إنّ "العادات التي كانت تحرص عليها الأسرة المصرية في رمضان لم تعد موجودة، من قبيل شراء الفوانيس للأطفال وكذلك الياميش واللحوم والخضراوات والعزائم وجمع الأهل والأحباب. وصرنا نستلف أو ننشئ جمعيات مع الأهل لتحمّل التكاليف. كذلك تشكّل امتحانات الأولاد والدروس أزمة أخرى".
تفيد تقارير الغرفة التجارية في القاهرة، بأنّ الأسعار ارتفعت قبيل شهر رمضان بنسب تراوحت ما بين 30 و40 في المائة، نتيجة نقص السلع المطروحة في الأسواق بفعل تذبذب سعر الدولار في البنوك والحساب الجمركي وتكلفة الإنتاج العالية. وتلفت إلى أنّ تجار التجزئة يستغلون هذا الشهر، فيعمدون إلى رفع أسعار السلع في حين أنّه من المفترض استقرار أسعار السلع الغذائية بسبب استقرار سعر الصرف في البنوك. وتلك السلع هي اللحوم الحمراء والبيضاء والخضراوات والبيض والدقيق والجبن والألبان، في حين ارتفعت أسعار الياميش بنسبة 100 في المائة بالمقارنة بالعام الماضي.
في السياق، يؤكد أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر، الدكتور حاتم القرنشاوي، لـ"العربي الجديد" أنّ "رمضان في خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، يأتي في وقت عصيب اقتصادياً على الشعب المصري، نتيجة تعويم الجنيه المصري أمام الدولار، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع كل أسعار السلع الغذائية مع غياب الرقابة من قبل الحكومة". يضيف أنّ "هذا جعل المواطن المصري يعزف عن شراء بعض المستلزمات الرمضانية، الأمر الذي أصاب السوق بحالة من الكساد بسبب ضعف الإقبال على المحلات التجارية".
من جهته، يرى الدكتور سيد إمام من المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، أنّ "الشعب المصري يعيش واقعاً مختلفاً في هذه الأيام التي تسبق شهر رمضان، في حين أنّه كان في الماضي يستقبل الشهر الكريم بالزينة والأنوار والفوانيس وبعض الأطعمة الخاصة". يضيف لـ"العربي الجديد": "أمّا اليوم فقد خلت شوارع كثيرة من تلك المظاهر بعدما صار الاحتفاء مكلفاً جداً"، موضحاً أنّ "المواطن صار يشتري كميات أقلّ من العادة".