تواجه أمهات عاملات كثيرات في تونس، مشاكل في البحث عن حضانات ودور رعاية نهارية لأطفالهن خلال فصل الصيف، خصوصاً أنّ دوراً عديدة تغلق أبوابها بحكم تناقص عدد أطفالها بسبب الإجازة الصيفية. وهكذا يضطر بعض أولياء الأمور (الأم أو الأب) إلى ملازمة منازلهم بإجازات مرضية أو إجازات سنوية طويلة، للاعتناء بالأطفال، لكنّ المدة الطويلة لإجازة الصيف لدى التلاميذ والتي تمتد ثلاثة أشهر ونصف، تضع كثيراً من الأولياء في مأزق حقيقي، في حين يضطر غيرهم إلى إيداع أطفالهم لدى الأقارب والجيران.
تؤكد وفاء، وهي موظفة حكومية وأم لثلاثة أطفال أكبرهم في التاسعة أنّ إجازة الصيف تشكل كابوساً حقيقياً بالنسبة إليها، فالمدرسة أغلقت أبوابها وكذلك الحضانة التي تضع فيها طفلتها ذات السنتين، وفي كلّ صيف تتكرر المشكلة، إذ لا تجد من يرعى أطفالها. تضيف أنّها بحثت عن نوادٍ تودع أطفالها لديها، لكن من دون جدوى، كما أنّ أغلب النوادي تنشط لساعة أو ساعتين في اليوم. تضيف أنّ من بين الحلول التي اضطرت إليها اقتسام الإجازة الصيفية بينها وبين زوجها، إذ عادة ما يحصل زوجها، وهو موظف حكومي أيضاً، على إجازته بدءاً من شهر يوليو/ تموز لتحصل هي على إجازتها بداية من شهر أغسطس/ آب، وهو أقصى ما يمكن الحصول عليه بالنسبة للموظفين، مشيرة إلى أنّهما محرومان من التمتع بأيام الإجازة نفسها من أجل الأطفال. مع ذلك، يبقى النصف الأول من شهر سبتمبر/ أيلول الذي يسبق العودة إلى المدرسة، إذ يتحتم عليها الحصول على إجازات مرضية، أو الاستنجاد ببعض الأقارب.
نزيهة أم لطفلين (10 و13 عاماً)، تقول إنّها تضطر إلى إيداعهما لدى والدتها، إذ لا يمكنها تركهما في البيت بمفردهما فلا أحد يأمن الحوادث والمخاطر التي يمكن أن تقع. تضيف لـ"العربي الجديد"، أنّ إجازة الصيف جيدة لمن لديه حلّ في إيواء أطفاله، خصوصاً الأساتذة والمعلمين ممن يحصلون على إجازات طويلة، لكنّها معاناة لموظفين آخرين لا يملكون أيّ حلول. تؤكد أنّ بعض الأقارب قد يرفضون الرعاية، خصوصاً أن لا أحد يمكنه تحمل عبء ذلك، وقد يقبل البعض رعايتهم ليوم أو حتى ثلاثة، لكن ليس لفترة ثلاثة أشهر.
وتشاطرها الرأي راضية، وهي موظفة في شركة خاصة بتونس العاصمة. تؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّها لم تجد حلاً سوى إرسال طفلتيها الصغيرتين (5 و8 أعوام)، إلى والدتها في محافظة الكاف، وهكذا تزورهما مرتين في الشهر إلى حين انتهاء إجازة الصيف. وبالرغم من بعد المسافة، تشير إلى أنّ والدتها هي الوحيدة التي قبلت بإيواء الطفلتين.
أما هاجر فقد قررت إرسال طفلها إياد (9 سنوات)، الى حماتها، في بن قردان، جنوبي تونس، وترك طفلتيها التوأمين (8 سنوات)، لدى والدتها، بالقرب منها، مبينة أنّها ليس في إمكانها تركهم جميعاً لدى والدتها كونها مريضة، والطفلتان رفضتا البقاء فترة طويلة بعيدتين عنها.
في المقابل، تقول منى، وهي صاحبة حضانة، إنّها أغلقت أبوابها بداية من شهر يوليو/ تموز الجاري حتى نهاية شهر أغسطس/ آب المقبل بعد تناقص عدد الأطفال، فالكثير من الآباء يخصصون إجازة الصيف للاستجمام. تؤكد أنّها إن فتحت حضانتها خلال هذه الفترة فلا يمكنها تأمين أجور العاملين، والنفقات الأخرى، إلى جانب المشاكل التي قد يواجهونها صيفاً، ومنها ارتفاع درجات الحرارة في ظلّ عدم تكييف معظم الأقسام، ما يخلق مشاكل أخرى بدوره، بالإضافة إلى رغبة العاملين في إجازات صيفية في دورهم.
تعتبر رئيسة الغرفة النقابية الوطنية لرياض ومحاضن الأطفال، نبيهة كمون، في حديث إلى "العربي الجديد"، أنّ معاناة الحضانات تنطلق قبيل إجازة الصيف، أي منذ شهر مايو/ أيار تقريباً، إذ يتناقص عدد الأطفال تدريجياً، وفي يونيو/ حزيران ويوليو تموز وأغسطس/ آب قد لا يتعدى عدد الوافدين عشرة أطفال، وأحياناً لا أطفال في كثير من الحضانات. تشير إلى أنّ أغلب الحضانات لديها نفقات مختلفة، وبالتالي، لا يمكنها الصمود صيفاً، إذ ستتكبد خسائر كبيرة. تتابع أنّهم يعملون ثمانية أشهر تقريباً في السنة، ونسبة الحضانات التي تفتح أبوابها طوال العام لا تتعدى 5 في المائة من إجمالي 4300. تتابع كمون أنّه بالرغم من دور الحضانات الكبير، فإنّ هذا القطاع بقي مهمشاً منذ سنوات. وتلفت إلى أنّ عدم تقديم الدولة الدعم المادي للحضانات ودور الرعاية محدودة الدخل، لن يسمح لها بالصمود، كما أنّ الصيف يعمّق معاناتها. وتذكّر بأن القطاع لطالما طالب بتنظيم دورات تأهيلية لصالح الحضانات ودور الرعاية الضعيفة والمهددة بالعمل في وضع غير قانوني وبالتالي الإغلاق، لكن لم تستجب الدولة لهذا الطلب، مشيرة إلى أنّ غياب الإرادة في إصلاح القطاع هو سبب العديد من الصعوبات فيه.
وتشدد كمون على أنّه لا بدّ من إعفاء الحضانات من الضرائب التي تفرضها الدولة عليها، للحدّ من المشاكل التي تعاني منها، خصوصاً أنّها تلعب دوراً أساسياً في تنمية الطفولة، ولا بد من تضافر الجهود لتذليل مختلف هذه الصعوبات لتتمكن الحضانات ودور الرعاية النهارية من العمل صيفاً من دون خسائر مالية.