بعد إعلان الحكومة الفلسطينية في رام الله عن تسجيل أول وفاة بفيروس كورونا الجديد في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، لسيدة ستينية ووريت في الثرى الليلة الماضية بمراسم وداعية محدودة ومشددة، وكانت من ضمن 16 إصابة جديدة في قرية بدو، شمالي غرب القدس المحتلة، قامت الحكومة بفرض الحجر على الفريق الطبي الذي تولى الحالة.
وقال الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، في مؤتمر صحافي في رام الله، إنّ السبب الرئيس للإصابات الجديدة يعود لمخالطة عمال في الورش الإسرائيلية من أبناء الفقيدة الذين نقلوا العدوى إليها ولأسرتهم ومجتمعهم. ويخضع المخالطون لفحوص طبية، وحجر صحي، وجرى نقل جميع المصابين من القرية إلى مستشفى "هوغو تشافيز"، شمالي رام الله. وقال ملحم في إجابة عن سؤال لـ"العربي الجديد"، إنّ السجل الطبي للفقيدة يفيد بأنّها تعاني من أمراض عدة، ما عجل في إضعاف مناعتها فلم تتمكن من مقاومة المرض.
وفي سؤال آخر لموقعنا عما إذا كان الأطباء الذين تعاملوا مع الراحلة جرى نقلهم إلى الحجر الصحي لمخالطتهم لابن الفقيدة، أكد ذلك ملحم، وقال: "هذه ضربة تصيب جهازنا الصحي في بداية الأزمة، فنحو 20 طبيباً وممرضاً ومن العاملين المساعدين في المستشفى في رام الله هم قيد الحجر الصحي بسبب مخالطتهم ابن الفقيدة الذي دخل القسم الباطني ولم تكن إصابته بالفيروس معروفة". تابع ملحم: "لا ندّعي أنّ لدينا أجهزة صحية كاملة، وهذا الوباء جاءنا على حين غرة، فليست لدينا الألبسة الكاملة لجميع الأطباء حتى. هناك ثغرات نعالجها، وهناك اتصالات مع أصدقاء لكي نشتري أدوات الوقاية اللازمة لأطبائنا الذين يواجهون الجائحة بإمكاناتهم البسيطة وأعدادهم القليلة".
وحذرت الحكومة الفلسطينية على لسان ناطقها الرسمي من الوصول إلى مرحلة حاسمة في مواجهة الفيروس، إذ يلامس مرحلة الخطر، ما يستوجب توخي أقصى درجات الحذر من تفشي الوباء خصوصاً من العمال، معلناً أنً رئيس الوزراء، محمد اشتية، سيصدر تعليمات باتجاه تشديد الإجراءات لجهة منع تفشي الوباء، لا سيما سدّ الثغرة التي يدخل منها هذا الوباء وهي ثغرة العمال. وقال ملحم إنّ هناك أوامر من الرئيس محمود عباس بتشديد الإجراءات، مؤكداً أنّ الحكومة قد تضطر لتمديد حالة الطوارئ المعلنة.
وحول نقص أدوات الفحص، خصوصاً الشرائح التي تؤخذ من خلالها العينات، قال ملحم: "صراحة، لدينا نقص في الشرائح، لكنّنا نحاول شراءها، ونتصل بجميع الأصدقاء ليزودونا بها، لكن كما تعلمون هناك نقص عالمي في الأدوات الطبية الخاصة بالمرض".
وكان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رئيس هيئة الشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ، قد قال في تدوينة له: "بتعليمات الرئيس (محمود عباس) كلّ الجهات المختصة سواء الطبية أو السيادية تبذل جهداً كبيراً مع دول العالم لجلب عينات فحص كورونا نتيجة النقص الكبير بها في فلسطين".
بخصوص الإصابات، أعلن ملحم أنّها بلغت، بحلول صباح اليوم الخميس، 84 في فلسطين (أراضي السلطة الفلسطينية حصراً)، من بينها 9 إصابات في قطاع غزة، تعافى من بينها 17، كما سجلت وفاة واحدة.
النقابة تردّ
في المقابل، دعت نقابة الأطباء الفلسطينيين، اليوم الخميس، إلى الحجر على الفريق الطبي بمجمع فلسطين الطبي برام الله بعد مخالطته المصابين بفيروس كورونا الجديد، فيما حذرت كذلك من إمكانية وجود آلاف الإصابات بفيروس كورونا الجديد غير مكتشفة. وقال نقيب أطباء فلسطين شوقي صبحة، لـ"العربي الجديد": "قسم من الأطباء في مجمع فلسطين الطبي بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، ممن خالطوا المتوفاة الأولى بفيروس كورونا الجديد أمس، الأربعاء، لم يتم الحجر عليهم وفق الأصول". وتابع: "قسم من الأطباء جرى الحجر عليهم في سكن الأطباء التابع للمجمع، وقسم من هؤلاء لم يتم الحجر عليهم، ولا تتوفر لديّ أرقام حول الفريقين، وهم بالإضافة إلى الأطباء ممرضون وعاملون طبيون"، مشيراً إلى أنّ هؤلاء الأطباء غير المحجور عليهم يتعاملون مع مرضى يأتون إلى المستشفى من الممكن أن ينقلوا العدوى إلى المرضى، وأكد أنّ الأطباء هم أول من يحتك بالحالات المشتبه بها، وقد تكون هناك كثير من الحالات الشبيهة في فلسطين.
وأكد صبحة أنّ فحص المرأة المتوفاة بسبب الإصابة بالفيروس، كانت نتيجته سلبية، أي أنها كانت غير مصابة في البداية، وتم تشخيصها من قبل أطباء مجمع فلسطين الطبي بأنّها مصابة بالتهابٍ رئوي، وقد مكثت في المستشفى مدة أسبوع، من دون أن يتمكن أحد من معرفة إصابتها بفيروس كورونا، حتى نقلت العدوى لابنتها، ليقوم الأطباء بإعادة الفحص ويتبين أنّ السيدة تحمل الفيروس". وشدد نقيب الأطباء شوقي صبحة على ضرورة الحجر الصحي لمن يخالط الحالات المشتبه بإصابتها لمدة 14 يوماً حتى 28 يوماً وهي مدة حضانة الفيروس، لأنّ النتيجة السلبية الأولية لا تعني بالضرورة عدم الإصابة.
ودعا صبحة وزارة الصحة الفلسطينية إلى حجر الحالات المشتبه بإصابتها، وأن تكون الوقاية متقنة لمحاصرة الحالات والفيروس، مشيراً إلى أنّ نقابة الأطباء تحاول التواصل، منذ صباح اليوم الخميس، مع وزارة الصحة الفلسطينية حول الأمر، من دون التمكن من الحصول على ردّ. كذلك، ودعا إلى عدم زجّ كلّ الكادر الطبي في الحجر، بل خروج قسم منهم فقط للعمل في هذه الظروف، قائلاً: "لأنّنا في بداية الطريق بالتعامل مع الفيروس، وفي حال تفاقم الوضع، رأينا أنّ هناك دولاً قوية استنفدت طاقاتها الطبية، فما بالك بنا نحن في فلسطين؟ لا يجب علينا التضحية بكلّ الكادر الطبي دفعة واحدة، لأنّ الكادر يحتاج في حال مخالطته لأيّ حالة إلى شهر في الحجر الصحي في المستشفى ثم المنزل". وطالب نقيب الأطباء وزارة الصحة والحكومة الفلسطينية بإجراءات وقائية للكوادر الطبية، وقال: "نحن للأسف، لا نمتلك بدائيات الوقاية، ونحن منذ البداية في نقابة الأطباء رفضنا التصريح بذلك، كي لا نتسبب بهلع في الشارع الفلسطيني، لكن أوكد أنّ الوضع مأساوي بخصوص شح الإمكانات لا سيما الملابس والمعدات الوقائية".
وأوضح صبحة أنّه قد تكون هناك آلاف الحالات المصابة بفيروس كورونا في فلسطين ولا يدري بها أحد، ويقول: "81 في المائة من الحالات المصابة قد تمرّ من دون أعراض خصوصاً الفئة الشابة والأطفال، وهذا يعني أنّه قد تكون هناك حالات كثيرة في فلسطين غير مكتشفة كما باقي دول العالم".
إجراءات ودعوات
على صعيد متصل، قررت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وفق بيان لها، إغلاق مركز بدو الصحي اعتباراً من مساء أمس، كإجراء وقائي وجزء من عملية تعقب حالات إصابة مؤكدة بفيروس كورونا في منطقة بدو، وذلك تماشياً مع توصيات وزارة الصحة. وبعد التأكد من أنّ بعض المراجعين للمركز الصحي قد ثبتت إصابتهم بفيروس كورونا، أمرت الأونروا موظفيها بالدخول في الحجر الصحي الذاتي حتى يتم فحصهم، الأمر الذي سيستغرق عدة أيام.
في سياق متصل، قالت محافظة نابلس في تصريح مقتضب عممته على الصحافيين، إنّ "عيّنات فحص لأسيرين من محافظة نابلس، كان قد أفرج عنهما أمس من سجون الاحتلال، أظهرت عدم إصابتهما بفيروس كورونا".
وفي شأن آخر، ناشدت شبكة مستشفيات القدس الشرقية الحكومة الفلسطينية مراجعة قرار الاحتلال الخاص بإلزام أعضاء الطاقم الطبي من حملة هويات الضفة الغربية العاملين في مستشفيات القدس الشرقية، بالمبيت والحجر الصحي لمدة 14 يوماً داخل مدينة القدس الشرقية ومنعهم من الانتقال يومياً من القدس ورام الله وإليهما، مطالبةً الحكومة الفلسطينية بالسماح بانتقال الطاقم الطبي يومياً وفق الضوابط الوقائية الاحترازية المتبعة في ظل انتشار وباء كورونا وفق تعليمات وزارة الصحة الفلسطينية وضوابط منظمة الصحة العالمية. وأكدت الشبكة أنّ دعوتها تأتي لأنّها غير قادرة على توفير وتغطية تكاليف المبيت والحجر الصحي لأعضاء الطاقم الطبي كافة، إذ يضم نحو 1500 من أطباء وممرضين وعاملين في هذا الطاقم، ويحملون هويات الضفة الغربية، والذين كانوا يتنقلون يومياً من القدس ورام الله وإليهما قبل صدور قرار من الحكومة الفلسطينية بإلزامية مبيت هذا الطاقم داخل القدس الشرقية وفرض الحجر الصحي على أفراد الطاقم لمدة 14 يومياً داخل القدس، حيث تبلغت شبكة مستشفيات القدس الشرقية بهذا القرار أمس، الأربعاء. وقالت الشبكة: "منع هذا الطاقم من دخول القدس الشرقية سيؤدي إلى وقف الخدمات المقدمة للمواطنين والمرضى والحدّ من قدرة مستشفيات القدس على التعامل مع انتشار فيروس كورونا، وقد يعني إغلاق هذه المستشفيات نظراً لأهمية وجود الطواقم الطبية كافة في هذا الظرف الحرج".