استغلّ الكثير من الناس وقت الفراغ، الذي خلقه الحجر المنزلي بسبب فيروس كورونا، للعودة إلى الزراعة والبحث عن زراعة ما يحتاجه المنزل من خضروات وأشجار. فعجّت متاجر المشاتل والزهور والنباتات بالباحثين عن البذور والأشجار، ما أدى إلى نقص كبير في البذور والتراب والشتل، وأحواض الزراعة.
في هذا السياق، قالت نجدية إبراهيم، صاحبة متجر "أزهار عرين" في حيفا: "الناس يشترون شتلات كثيرة حالياً، ويهتمون كثيراً بزراعة الحدائق في بيوتهم. كما أنهم يشترون بذور الخيار والبندورة لزراعتها في الأرض، ويستحسنون أيضاً شراء نبتة الخبّيزة التي تزهر، وعصا الراعي، إضافة إلى شتل المريمية والنعناع. قبل فرض الحجر المنزلي، لم يكن الوضع هكذا. كانوا يقتنون الورود والزهور فقط، لكن اليوم يشترون الورود فقط للمناسبات. الآن، صار ينقص محلي العديد من الشتل والمزروعات، ولا أستطيع الحصول عليها، بسبب زيادة الطلب عليها. لم يكن أبداً الوضع هكذا في السابق، فحالياً أنا لا أجد الشتل لبيعها للناس. كما أننا بعنا 70 كيلوغراماً من التراب الخاص بالزراعة، إذ ازداد الطلب كثيراً على التراب والسماد للحواكير البيتية".
عمار سواعد، صاحب مشتل في شفا عمرو، يقول: "لم أشهد فترة كهذه في السنوات العشر الأخيرة. هذه ظاهرة تاريخية! الناس يشترون كلّ شيء في المشتل، من الورود والأشجار إلى بذور البندورة والباذنجان. الملل، في الحجر المنزلي، دفع الناس للعودة إلى العمل في الحديقة المنزلية. كما أنّ الطلب على الأعشاب الطبّية ازداد بشكل كبير، إضافة إلى النعناع والزعتر.
الآن لديّ نقص في شجر الحامض والليمون والبرتقال، ولم يعانِ متجري من هذا النقص أبداً في السابق. حالياً، نحن في موسم زراعة شجر الدوالي، والجميع يشتريها. هناك نقص كبير لدى التجّار بالشتل والورود. إضافة إلى نقص التراب الخاص بزراعة الأحواض والشتل، كما بالأحواض نفسها والسماد".
من جهتها، تقول، صوفي شهوان دلال، وهي موجّهة ومعالجة مجموعات تقطن في حيفا ولديها حاكورة: "أنا مجبَرة على البقاء في المنزل منذ شهر ونصف، بسبب الحجر المنزلي. في البداية توقفت عن العمل، فبدأت أشغل نفسي بالمطبخ، فعجنت وخبزت. والمتنفّس الوحيد الباقي لنا، في فترة الحجر المنزلي، كان الحاكورة. فانشغلت بالأرض وزراعتها. كما هناك رمزية كبيرة لتهافت الناس على الزراعة. فالأخبار كلّها من حولنا عن الموت بأعداد كبيرة. فصارت هناك حاجة أن نخلق حياة، والأرض تعطي الحياة، وتطعمنا وتفرحنا، وتعطينا الورد الجميل".
وأضافت دلال: "انشغلت بترتيب الحاكورة، وجعلتها مكاناً مريحاً للقلب والروح والعين. فقمت بزراعة بذور الكوسا والبندورة والباذنجان. ونتيجة النقص في الشتل والحركة المحدودة ومنع التنقّل، قمت بإنباتها في علب من جديد".
وختمت دلال قائلةً: "زرعت شتلاً لورود جديدة، مع بداية الحجر المنزلي. الناس أرادت تحسين المنظر في ساحات بيتها. الزراعة، هي إحدى الهوايات التي برزت في فترة الحجر المنزلي، لأنها متاحة وتكاليفها غير باهظة".
أما رانية مخلوف، التي تقطن في مدينة شفا عمرو وتعمل بفن الصلصال، فتملك حاكورة مساحتها 200 متر. تقول رانية: "في بداية الحجر، أي قبل شهر ونصف، أمضيت الكثير من الوقت في المطبخ، ولاحظت أنّنا نستهلك مواد غذائية أكثر من العادة، كوننا محجورين في البيت. فاشترينا دجاجا وديكا في بداية فترة الحجر، ومن وقتها نحن نحصل على البيض من دجاجنا. وبوجود وقت الفراغ، قمت بالزراعة أكثر بكثير مما كنت أفعل سابقاً. فزرعت الكثير من الورود والخضراوات، منها الملوخية والبامية والخيار، البقدونس، الكوسا، الفاصولياء والبازيلا".
وتضيف مخلوف: "نحن نفيد البيئة بهذه الطريقة، كما أنّ الزراعة تحسّن نفسيتنا وتجعلنا سعداء، إضافة إلى كونها عملا بدنيا، نفسيا، وعقليا. فأنا أقوم فقط بزراعة عضوية ولا أستعمل السماد الكيميائي. وأصنع 30 في المائة من السماد في البيت من فضلات الخضراوات".
وتضيف رانية: "كوني لا أعمل خارج المنزل هذه الفترة، جعلني الحجر المنزلي أتأمل وأراقب الزرع والشتل، وعملية التنبّت. طبعاً الهدف هو الاكتفاء الذاتي، وأنا أوفّر مالياً عندما آكل جميع الخضروات الموسمية من الأرض وحاكورتي".
وأنهت مخلوف: "عندما نزرع، نستثمر بحواس عديدة؛ إذ هي رياضة بدنية عندما ننكش الأرض ونعشّبها، والأمر يجعلنا نسترخي، ونشمّ رائحة الورد عندما نستيقظ".