سادت مدينة طرابلس (شماليّ لبنان) ليل أمس (الجمعة)، حالة من الغضب والتوتر الشديد، إثر مقتل المواطن محمود علي خضر، صاحب محل لبيع الهواتف الخلوية في منطقة التل، ومصرع موظّفَيه الشقيقين، محمد وعمر الحصني، من بلدة ببنين العكارية (شمالاً)، إثر اعتداء مسلّح على المحل وإطلاق نار كثيف، أدى كذلك إلى إصابة موظف آخر في قدمه، وإلى مقتل أحد المهاجمين، ويُدعى خالد عبد المجيد، وتكسير الواجهات الزجاجية للمحل.
وعلى الفور، حضرت عناصر الجيش اللبناني وفرضت طوقاً أمنياً حول المكان، وباشرت تحقيقاتها لمعرفة ملابسات الحادثة، وفجّرت قنبلتين أُلقيتا أمام المحل المذكور.
وعقب شيوع خبر وفاة صاحب المحل بعد إصابته الحرجة، انطلقت مساءً مسيرة غاضبة في منطقة جبل محسن (شرقيّ طرابلس)، تخلّلها إطلاق رصاص كثيف، استنكاراً لوفاة أحد أبناء المنطقة. واستُقدمت تعزيزات أمنية لضبط الوضع في المدينة.
سادت حالة من التوتر وسط اطلاق نار كثيف في #طرابلس بعد مقتل 4 أشخاص في اطلاق نار استهدف محلّ بيع هواتف خليوية،
— Marwan Matni 🇱🇧 (@marwanmatni) September 9, 2022
وزير الداخلية يطلب تسيير دوريات وإقامة حواجز تفتيش وتدقيق ثابتة ومتحركة
وانتشار ل الجيش والقوى الأمنية#لبنان pic.twitter.com/gnY8KQBbTO
هل اعتداء طرابلس بدافع الثأر؟
إحدى الروايات ذكرت أنّ "الشخصين الملثّمين على الدراجة النارية كانا يلاحقان شخصاً مسلّحاً اختبأ بالصدفة عند صاحب المحل، فوقعت الواقعة. إذ لا يُعقل أن يكون الموظّفان الشقيقان قادمَين إلى العمل وفي حوزتهما أسلحة حربية وقنابل يدوية".
وفي اتصالٍ لـ"العربي الجديد"، أفاد مصدر من جبل محسن، فضّل عدم الكشف عن هويّته، بأنّ "الحادثة لا تعدو كونها إشكالاً فرديّاً وثأراً عائليّاً قديماً بين المسلّحين الذين هاجموا المحل والموظّفين الشقيقين، بحيث حصل تبادل لإطلاق النار. وقد قضى صاحب المحل من دون أيّ ذنبٍ له في الإشكال، ما أثار حالة غضبٍ عارمة وسط أهله وأقاربه في جبل محسن. كذلك أُصيب شخص آخر في قدمه".
ونفى المصدر ذاته أن تكون الحادثة "محاولةً لإشعال الفتنة"، مشدّداً على "ضرورة توخّي الحذر والدقة في نشر المعلومات، فالوضع دقيق وحسّاس جدّاً، ولا يحتمل أيّ تأويل أو تحليل. كذلك فإنّ طرابلس تشهد يوميّاً إشكالات عائلية وعمليّات ثأر لا تنتهي".
واستبعد المتحدث الرواية المتضمنة وجود خلافٍ بين المسلّحين وصاحب المحل، "لكون تبادل إطلاق النار حدث بين المسلحين والموظفين الشقيقين"، إلا أنه يرى أنّها "ليست حادثة سرقة، لكونها تخلّلها رمي قنابل يدوية وإطلاق رصاص كثيف بقصد القتل، وكأنّ الحادثة مُعدّة مسبقاً ومخطّطاً لها".
وفي معلوماتٍ خاصّة لـ"العربي الجديد"، أشار مصدر متابع للتحقيقات إلى أنّ "الحادثة على ما يبدو تندرج ضمن سياق ثأرٍ قديم، غير أنّ التحقيقات ستتكثّف اليوم (السبت)، ليُبنى على الشيء مقتضاه. فقد كان الهدف أمس ضبط الشارع، تفادياً لأيّ تفلّت، ولا سيّما أنّ منفّذي السطو المسلّح ما زالوا فارّين من وجه العدالة".
محمد الحصني و شقيقه عمر الحصني الذين قضوا اثر اطلاق النار الذي تعرض له محل المدعو محمود خضر لبيع الهواتف الخليوية في #طرابلس بالقرب من مستشفى شاهين بالاضافة الى قتـ.ـيل و جريح بحالة حرجه pic.twitter.com/W9xzrjePsP
— safaa mokbel (@safaamokbel7) September 9, 2022
وكشف أنّه سيجري اليوم الاستماع إلى الشهود العيان وسحب كاميرات المراقبة. غير أنّ من المستبعد أن تكون السرقة هي الدافع، فوفق المنطق ما من أحدٍ يُقدم على السرقة باستخدام قنابل يدوية وأسلحة"، لافتاً إلى "رمي قنبلتين لم تنفجرا، وتولّى لاحقاً الجيش تفجيرهما في الخارج".
وإذ حذّر من "خطورة المسألة"، أفاد بأنّ "وحدات الجيش نفّذت يوم أمس مداهمات وسيّرت دوريات، وأقامت عناصر قوى الأمن الداخلي حواجز كثيفة، وأغلقت طرقات ومداخل أساسية ومهمّة بين جبل محسن وباب التبانة، ولا تزال التعزيزات الأمنية قائمة اليوم".
تفاصيل مثيرة
أمّا صديق صاحب المحل، محمود هاشم خضر، فروى لـ"العربي الجديد"، كيف أنّ أربعة شبّان قدموا بواسطة دراجاتٍ نارية، قبل أن يداهم أحدهم المحل وفي حوزته قنبلتان. فبادر عندها شاب داخل المحل إلى إطلاق النار عليه، بحيث اشتعلت فوراً عملية إطلاق الرصاص من الخارج، وسبّبت وفاة أربعة أشخاص وإصابة موظف في المحل".
وإذ استنكر الحادثة الأليمة التي أثارت غضب جبل محسن والجوار، لفت إلى أنّ "صاحب المحل كان من خيرة الأوادم وفاعل خير. كذلك فإنّه ناجح في عمله، وهو شاب أربعيني أعزب، ذهب ضحية عمل إرهابي شنيع".
خضر: ليست المرة الأولى التي يتمّ فيها التهجّم على المحل، فخلال أحداث جبل محسن وباب التبانة عام 2009 تعرّض المحل للحريق والتكسير والسرقة، لأغراضٍ طائفية مذهبية
وقال خضر: "ليست المرة الأولى التي يحصل فيها التهجّم على المحل، فخلال أحداث جبل محسن وباب التبانة عام 2009 تعرّض المحل للحرق والتكسير والسرقة، لأغراضٍ طائفية مذهبية. ومنذ قرابة أسبوعين تعرّض لبعض المشاكل، غير أنّ حادثة يوم أمس بعيدة كلّ البعد عن الاعتبارات الطائفية الضيقة، فقد زُهقت أرواح من السُّنة والعلويّين. وهي ليست عمليّة ثأر، بل محاولة بائسة لزعزعة الأمن في مدينة طرابلس وإثارة بلبلة متعمّدة، من قبل أحد سياسيّي المدينة الذي نحمّله المسؤولية كاملةً". وختم بالقول: "كلّنا أهل وإخوة، ولن ننجرّ للحرب. كلّنا يد واحدة تحت كنف الدولة والجيش اللبناني، والشارع الطرابلسي وشارع جبل محسن يدرك هذا الأمر وعلى وعي تامّ بخلفيّاته".
هل هي محاولة سطو؟
رواية أخرى انتشرت تفيد بأنّ "مجهولين ملثّمين دخلوا المحل، وحاولوا السطو على محتوياته بقوة السلاح، حيث كانوا يحملون رشاشات حربية وقنابل يدوية، وكان صاحب المحل بجانب عدد من أصدقائه، قبل أن يسارعوا إلى مواجهة الشخص الملثم الذي حاول تهديدهم بهدف السرقة، ما أدّى إلى تبادل لإطلاق النار بينهم وبين المهاجمين".
وفي فيديو نشره محمد الطرابلسي، صهر صاحب المحل، وضع فيه الحادثة في خانة "التشليح" (السرقة)، قائلاً: "تربطنا بمدينة طرابلس علاقات تاريخية وعلاقة خبز وملح، ونحن عائلة واحدة. لذلك نتمنّى على كلّ العقلاء حصر الحادثة بهذا الاتجاه".
وكان روّاد مواقع التواصل الاجتماعي قد تداولوا فيديوهات تظهر فرار المسلّحين بواسطة درّاجتين ناريّتين، وسط إطلاق نارٍ كثيف لتسهيل عمليّة هروبهم. وأعرب المغرّدون عن استنكارهم للحادثة واستيائهم من "تكرار عمليات القتل والسرقة والفوضى والفلتان الأمني الذي تشهده مدينة طرابلس، ناهيك عن الفقر والحرمان الذي يقاسيه أهلها منذ عقودٍ طويلة".
حواجز تفتيش وتدقيق أمني
من جهته، تابع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحادثة، وأجرى أمس سلسلة اتصالات بوزير الداخلية والبلديات بسام مولوي وقائد الجيش العماد جوزاف عون والقادة الأمنيّين، وشدّد "على ضرورة ضبط الوضع وزيادة الإجراءات الأمنية، وعدم السماح لأيّ كان بالعبث بأمن طرابلس وسلامة أبنائها".
بدوره، أجرى وزير الداخلية والبلديات اتصالاً بالمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، للتدخّل الفوري لضبط الوضع حفاظاً على أمن المدينة وأبنائها". وعلى الفور، سيّرت القوى الأمنية دورياتٍ وأقامت حواجز تفتيش وتدقيق ثابتة ومتحركة في محيط موقع الحادثة. وأشار مولوي إلى أنّه "سيتمّ عقد اجتماع لمجلس الأمن الداخلي المركزي، يجمع القادة الأمنيّين كافة، لوضع خطّة أمنية في ظلّ الأحداث الأخيرة".