جاء الحديث عما يسمى بـ "صفقة القرن" لأول مرة على لسان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وهو مصطلح تم تداوله لاحقا من قبل وسائل إعلامية وجهات سياسية للتعبير عن رؤية أميركية جديدة في طور التشكل تجاه الصراع العربي – الإسرائيلي، ويبدو أن الرئيس الأميركي استعان بتعبير نظيره المصري عبد الفتاح السياسي عندما طالبه خلال لقائهما في شهر إبريل/ نيسان الماضي بإيجاد حل لما سماه بـ "قضية العصر"، وكان يقصد بذلك القضية الفلسطينية.
رغم الزيارات واللقاءات المتكررة بين مسؤولين أميركيين وفلسطينيين، إلا أن ملامح الرؤية الأميركية لمضمون هذه الصفقة غير واضحة حتى هذه اللحظة، ويبدو أن لقاءات وزيارات المسؤولين الأميركيين الحالية تأتي في سياق بلورة رؤية أميركية معينة لم يكشف عن جوهرها ومضمونها بعد.
حقيقة الأمر أن الفجوة بين الموفقين الفلسطيني والإسرائيلي تجاه متطلبات عملية السلام شاسعة الاتساع، وليس من السهل ردمها، في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تتبنى سياسات ومواقف استعمارية عدائية، وفي ظل استمرار هذه الحكومة في تنفيذ رؤيتها الأحادية الجانب للحل، إذ يلاحظ بكل وضوح أن هذه الحكومة المتطرفة لا تقيم شأنا ولا وزنا للمواقف الدولية ولا للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ولا حتى لمبادئ وأسس عملية السلام المجسدة في الإتفاقيات المؤقتة التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية.
الموقف الإسرائيلي مازال من الناحية العملية بعيدا كليا عن شروط ومتطلبات إنجاز ما يمكن وصفه بصفقة سلام نهائي تحقق للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه الوطنية، والتي أقلها حقه في تقرير مصيره وممارسة سيادته على أرضه وبناء دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967.
يقر المجتمع الدولي بحقيقة أن إسرائيل وحكوماتها الراهنة والسابقة لا تدّخر جهدا لفعل كل ما يمكن لنسف الجهود الدولية المبذولة لتحقيق السلام، وتقويض إرادة المجتمع الدولي من خلال الاستمرار في عدوانها على الإنسان الفلسطيني وأرضه، عبر الكثير من الممارسات والأعمال العدائية.
تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى الانقلاب على المرجعيات الدولية للحل السلمي الممثلة بقراري مجلس الأمن الدولي (242، 338)، وتعمل على فرض شروطها تجاه قضايا الحل النهائي وخاصة قضايا القدس والحدود واللاجئين. فهي تريد السيطرة الكاملة على القدس واعتبارها عاصمتها الأبدية الموحدة، وفي سبيل ذلك لا تتوقف حكومة الإحتلال الإسرائيلي عن ممارسة سياستها في تهويد القدس وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولا تعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، وهي دائمة الحديث بشكل عنصري عما يسمى بـ "الدولة اليهودية"، التي تريد من خلال طرح فكرتها، قضم أجزاء كبيرة من أراضي الدولة الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل، وتوسيع وبناء المستوطنات والسيطرة على الموارد الفلسطينية، وتسعى أيضا إلى تهجير المواطنين الفلسطينيين القاطنين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 بمنطق تبادل السكان مقابل إخلاء بعض الكتل الاستيطانية، وهذه أمور غير مقبولة إطلاقا من القيادة الفلسطينية.
الموقف الفلسطيني الرسمي مما يطلق عليه بـ "صفقة القرن"، واضح ومعلن يعبر عنه الرئيس محمود عباس في كل المناسبات والمحافل الدولية، وهو موقف متمسك بالثوابت الوطنية والحقوق الأصيلة لشعبنا الفلسطيني، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التراجع عنه تحت تأثير أي ضغط إقليمي أو دولي، هذا الموقف يطالب الإدارة الأميركية بأن تتأسس مبادرتها المسماة بـ "صفقة القرن" على مبدأ حل الدولتين، والذي بضمن إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967.
إن حق الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير مصيره وبناء دولته وعاصمتها القدس الشرقية هو مبدأ راسخ وواضح لجميع الأطراف وأولها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو حق معترف به من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته ومواثيقه وشرائعه، كما أن التمسك بقضية اللاجئين غير قابل للمساومة والمراوغة، فقضية اللاجئين تمثل جوهر القضية الفلسطينية، وإيجاد حل عادل لقضيتهم يتأسس على قرارات الشرعية الدولية التي تكفل لهم الحق في العودة والتعويض، أمر ثابت في المبادئ الفلسطينية تجاه عملية السلام ومتطلباتها.
أما فيما يتعلق بالمطالب الإسرائيلية بشأن الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية فهو أمر عنصري مرفوض وطنيا وإنسانيا وأخلاقيا، ولا يمكن بأي حال القبول به، كما أن الحديث عن تبادل سكاني يعتبر من المحرمات الوطنية التي لن يسمح بها مهما كلف الأمر من تضحيات.
تعي القيادة الفلسطينية جيدا حجم التحديات والمخاطر التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته، في ظل مناخات عربية ملتهبة تعصف بها الخلافات والتناقضات والتجاذبات والصراعات والتدخلات، وفي ظل مواقف دولية باهتة لا ترتقي إلى مستوى الرهان عليها في فرض إرادتها على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وللحقيقة التاريخية هناك أطراف إقليمية تحاول الضغط على القيادة الفلسطينية وعلى الرئيس محمود عباس بمنطق سياسة الضغط والاحتواء والتدخل في الشأن الفلسطيني وابتزازه، وهو أمر يزيد من صعوبة وتعقيدات المشهد الفلسطيني، لكنه لم ولن يؤثر بأي حال من الأحوال على استقلالية القرار الفلسطيني والتمسك بحقوق شعبنا وثوابته الوطنية.
تستشعر القيادة الفلسطينية وتدرك أيضا أن هناك أطرافا إقليمية ودولية تحاول يائسة الالتفاف على شرعيتها وتهيئة مناخات لعقد ما سمي بـ "صفقة القرن"، بمفهوم تنفيذ مبادرة السلام العربية بطريقة معكوسة، بمعنى تسريع وتيرة التطبيع مع دولة الاحتلال قبل تنفيذها لمضمون المبادرة القاضي بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وهذه ليست المرة الأولى عبر تاريخ القضية الفلسطينية التي تتم فيها محاولات العبث بالقضية الفلسطينية، والمؤسف أن عبر التاريخ ودروسه لم تعلمهم بأن كل من حاول العبث بقضية فلسطين وشعبها فشل واحترق.
إن سلوك مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، المعادي لشعبنا وحقوقه الوطنية الأصيلة، يعطي للقيادة الفلسطينية مؤشرا سلبيا على طريقة عمل وتفكير الإدارة الأميركية الجديدة تجاه قضيتنا، وتجاه رؤيتها لمتطلبات وشروط التوصل إلى سلام نهائي لأم القضايا قضية فلسطين، في المقابل فإن القيادة الفلسطينية لم يسبق لها أن أغلقت الباب أمام أي جهد دولي جاد وحقيقي لإحياء عملية السلام سعيا لتحقيق سلام عادل ونهائي.
تدرك القيادة الفلسطينية أنها مقبلة على فترة صعبة وقاسية، هي أشبه بالفترة الزمنية التي مرت على الرئيس الشهيد ياسر عرفات عام 2000، حين مورست ضده أشكال متعددة من الضغوط والابتزاز السياسي، لكنه رفض تقديم أي تنازل، وصبر وصمد وقبل أن يلاقي ربه شهيدا على الحق على أن يفرط بأي من حقوق شعبنا المقدسة، ويقيني أن الرئيس محمود عباس كان صادقا عندما قال بأنه يفضل الشهادة على أن يقبل بتمرير أي حلول ومبادرات وصفقات لا ترتقي إلى حجم تضحيات شعبنا، ولا تستجيب لحقوقه وآماله وأحلامه وتطلعاته في الحرية والاستقلال.
ختاما، مازالت القيادة الفلسطينية تراهن على قدرة شعبنا على الصمود ومواصلة نضاله الوطني حتى تجسيد دولته المستقلة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، ومازالت تراهن على دعم وإسناد أشقائنا العرب وعمقنا العربي الكبير، وأيضا على أحرار العالم الداعمين والمساندين لشعبنا والمؤمنين بعدالة قضيتنا.
(مستشار للرئيس الفلسطيني)
اقــرأ أيضاً
حقيقة الأمر أن الفجوة بين الموفقين الفلسطيني والإسرائيلي تجاه متطلبات عملية السلام شاسعة الاتساع، وليس من السهل ردمها، في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة تتبنى سياسات ومواقف استعمارية عدائية، وفي ظل استمرار هذه الحكومة في تنفيذ رؤيتها الأحادية الجانب للحل، إذ يلاحظ بكل وضوح أن هذه الحكومة المتطرفة لا تقيم شأنا ولا وزنا للمواقف الدولية ولا للقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، ولا حتى لمبادئ وأسس عملية السلام المجسدة في الإتفاقيات المؤقتة التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية.
الموقف الإسرائيلي مازال من الناحية العملية بعيدا كليا عن شروط ومتطلبات إنجاز ما يمكن وصفه بصفقة سلام نهائي تحقق للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه الوطنية، والتي أقلها حقه في تقرير مصيره وممارسة سيادته على أرضه وبناء دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران عام 1967.
يقر المجتمع الدولي بحقيقة أن إسرائيل وحكوماتها الراهنة والسابقة لا تدّخر جهدا لفعل كل ما يمكن لنسف الجهود الدولية المبذولة لتحقيق السلام، وتقويض إرادة المجتمع الدولي من خلال الاستمرار في عدوانها على الإنسان الفلسطيني وأرضه، عبر الكثير من الممارسات والأعمال العدائية.
تسعى حكومة بنيامين نتنياهو إلى الانقلاب على المرجعيات الدولية للحل السلمي الممثلة بقراري مجلس الأمن الدولي (242، 338)، وتعمل على فرض شروطها تجاه قضايا الحل النهائي وخاصة قضايا القدس والحدود واللاجئين. فهي تريد السيطرة الكاملة على القدس واعتبارها عاصمتها الأبدية الموحدة، وفي سبيل ذلك لا تتوقف حكومة الإحتلال الإسرائيلي عن ممارسة سياستها في تهويد القدس وتهديد المقدسات الإسلامية والمسيحية، ولا تعترف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، وهي دائمة الحديث بشكل عنصري عما يسمى بـ "الدولة اليهودية"، التي تريد من خلال طرح فكرتها، قضم أجزاء كبيرة من أراضي الدولة الفلسطينية وضمها إلى إسرائيل، وتوسيع وبناء المستوطنات والسيطرة على الموارد الفلسطينية، وتسعى أيضا إلى تهجير المواطنين الفلسطينيين القاطنين في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 بمنطق تبادل السكان مقابل إخلاء بعض الكتل الاستيطانية، وهذه أمور غير مقبولة إطلاقا من القيادة الفلسطينية.
إن حق الشعب الفلسطيني في ممارسة تقرير مصيره وبناء دولته وعاصمتها القدس الشرقية هو مبدأ راسخ وواضح لجميع الأطراف وأولها حكومة الاحتلال الإسرائيلي، وهو حق معترف به من قبل المجتمع الدولي ومؤسساته ومواثيقه وشرائعه، كما أن التمسك بقضية اللاجئين غير قابل للمساومة والمراوغة، فقضية اللاجئين تمثل جوهر القضية الفلسطينية، وإيجاد حل عادل لقضيتهم يتأسس على قرارات الشرعية الدولية التي تكفل لهم الحق في العودة والتعويض، أمر ثابت في المبادئ الفلسطينية تجاه عملية السلام ومتطلباتها.
أما فيما يتعلق بالمطالب الإسرائيلية بشأن الاعتراف بيهودية الدولة الإسرائيلية فهو أمر عنصري مرفوض وطنيا وإنسانيا وأخلاقيا، ولا يمكن بأي حال القبول به، كما أن الحديث عن تبادل سكاني يعتبر من المحرمات الوطنية التي لن يسمح بها مهما كلف الأمر من تضحيات.
تعي القيادة الفلسطينية جيدا حجم التحديات والمخاطر التي تواجه الشعب الفلسطيني وقضيته، في ظل مناخات عربية ملتهبة تعصف بها الخلافات والتناقضات والتجاذبات والصراعات والتدخلات، وفي ظل مواقف دولية باهتة لا ترتقي إلى مستوى الرهان عليها في فرض إرادتها على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وللحقيقة التاريخية هناك أطراف إقليمية تحاول الضغط على القيادة الفلسطينية وعلى الرئيس محمود عباس بمنطق سياسة الضغط والاحتواء والتدخل في الشأن الفلسطيني وابتزازه، وهو أمر يزيد من صعوبة وتعقيدات المشهد الفلسطيني، لكنه لم ولن يؤثر بأي حال من الأحوال على استقلالية القرار الفلسطيني والتمسك بحقوق شعبنا وثوابته الوطنية.
إن سلوك مندوبة الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هيلي، المعادي لشعبنا وحقوقه الوطنية الأصيلة، يعطي للقيادة الفلسطينية مؤشرا سلبيا على طريقة عمل وتفكير الإدارة الأميركية الجديدة تجاه قضيتنا، وتجاه رؤيتها لمتطلبات وشروط التوصل إلى سلام نهائي لأم القضايا قضية فلسطين، في المقابل فإن القيادة الفلسطينية لم يسبق لها أن أغلقت الباب أمام أي جهد دولي جاد وحقيقي لإحياء عملية السلام سعيا لتحقيق سلام عادل ونهائي.
تدرك القيادة الفلسطينية أنها مقبلة على فترة صعبة وقاسية، هي أشبه بالفترة الزمنية التي مرت على الرئيس الشهيد ياسر عرفات عام 2000، حين مورست ضده أشكال متعددة من الضغوط والابتزاز السياسي، لكنه رفض تقديم أي تنازل، وصبر وصمد وقبل أن يلاقي ربه شهيدا على الحق على أن يفرط بأي من حقوق شعبنا المقدسة، ويقيني أن الرئيس محمود عباس كان صادقا عندما قال بأنه يفضل الشهادة على أن يقبل بتمرير أي حلول ومبادرات وصفقات لا ترتقي إلى حجم تضحيات شعبنا، ولا تستجيب لحقوقه وآماله وأحلامه وتطلعاته في الحرية والاستقلال.
ختاما، مازالت القيادة الفلسطينية تراهن على قدرة شعبنا على الصمود ومواصلة نضاله الوطني حتى تجسيد دولته المستقلة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، ومازالت تراهن على دعم وإسناد أشقائنا العرب وعمقنا العربي الكبير، وأيضا على أحرار العالم الداعمين والمساندين لشعبنا والمؤمنين بعدالة قضيتنا.
(مستشار للرئيس الفلسطيني)