استمع إلى الملخص
- وسائل الإعلام الفرنسية والإسرائيلية نددت بتصرفات جماهير باريس سان جيرمان، متهمة النادي بالتحريض، مما يعكس ازدواجية المعايير في التعامل مع القضايا السياسية والإنسانية.
- تصاعدت التوترات في أوروبا مع اشتباكات في أمستردام، مما يؤكد تزايد الدعم الشعبي لفلسطين ووعي الشعوب بازدواجية المعايير.
أثار رفع جماهير نادي باريس سان جيرمان الفرنسي العلم الفلسطيني، و"تيفو" يحمل شعار "الحرية لفلسطين"، في مباراة دوري أبطال أوروبا ضد أتلتيكو مدريد الإسباني، ردود فعل إيجابية واسعة في الأوساط المؤيدة للقضية الفلسطينية، وأخرى منددة في فرنسا وإسرائيل، وفي جميع الأوساط الكروية والسياسية، التي اختلفت في تقدير الموقف، بين من اعتبره تعبيراً إنسانياً لمشجعين وجدوا في مدرجات الملاعب ملاذاً للتعبير عن تضامنهم مع شعب محتل يتعرض للإبادة الجماعية منذ سنوات، وبين من اعتبره إقحاماً للسياسة في الرياضة و"معاداة للسامية"، يقتضي تدخل الاتحاد الأوروبي لمعاقبة النادي الباريسي، في وقت كانت فيه الملاعب الأوروبية مسرحاً لتأييد أوكرانيا والمثلية ومناهضة العنصرية والتنديد بالإرهاب، بينما تنقلب المعايير عندما يتعلق الأمر بفلسطين وإسرائيل.
عشاق "الباريسي" رفعوا لافتات سلمية، وأطلقوا هتافات تدعو إلى تحرير فلسطين، ما أثار غضباً واسعاً في الأوساط السياسية، واستنفاراً في مختلف وسائل الإعلام الفرنسية، التي نددت بما سمته "الخلط بين السياسة والرياضة"، وطالبت إدارة باريس سان جيرمان بتقديم توضيحات، وضغطت على الاتحادين الفرنسي والأوروبي لتسليط عقوبات على النادي الباريسي، رغم أن "التيفو" المرفوع "الحرية لفلسطين" لم يكن يحمل أي شعار سياسي، بل يدعو إلى السلام والحرية والمساواة والعدالة في التعاطي مع كل الحروب، على حد سواء، علماً بأن حجم التجييش والدعم اللذين حظيت بهما إسرائيل، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تجاوز ملاعب كرة القدم إلى مختلف مؤسسات الدولة الفرنسية ووسائل إعلامها، التي تحولت إلى منابر تؤيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وتبخس الفلسطينيين حقهم في استعادة حريتهم وحقهم في الحياة.
وكان الإعلام الفرنسي ذاته يصفق لرفع أعلام أوكرانيا في بداية الحرب مع روسيا، ويؤيد حمل اللافتات والشعارات المناهضة للعنصرية والمؤيدة للمثليين ومجتمع الميم، ولم يحرّك ساكناً عندما كان أنصار سلتيك غلاسكو الاسكتلندي يرفعون اللافتات نفسها المؤيدة للفلسطينيين، لكن ملكية القطريين للنادي الفرنسي دفعت بعض الأطراف الفرنسية نحو مزيد من التهييج للرأي العام، واتهام الإدارة بأنها كانت وراء تصرف الجماهير، رغم نفيها مسؤوليتها، عبر بيان أصدرته في اليوم الموالي، تجنباً للعقوبات أو مجرد المساءلة، أو اتخاذ أي إجراء عقابي ضد النادي، بسبب تصرفات جماهيره، مثلما رفض فعل ذلك مع جماهير اسكتلندية وأخرى تركية رفعت لافتات ضخمة مؤيدة لفلسطين في مباريات أوروبية سابقة.
وأخذت وسائل الإعلام الإسرائيلية المنحى نفسه في التجييش والتنديد بتصرفات جماهير باريس سان جيرمان، خصوصاً أن الواقعة جاءت بالموازاة مع اشتباكات شهدتها العاصمة الهولندية أمستردام، بعد مباراة مكابي تل أبيب الإسرائيلي وأياكس أمستردام الهولندي، بين الجماهير الإسرائيلية والهولندية والعربية المناصرة لفلسطين، على وقع هتافات عنصرية أطلقها إسرائيليون ضد العرب والفلسطينيين، وإنزال العلم الفلسطيني عن شرفات بعض البنايات، ما أدى إلى حدوث مناوشات أدت الى إصابة العشرات، ما يؤكد تصاعد حجم دعم شعوب العالم لفلسطين، ووعيهم بحجم التباين في التعاطي السياسي والإعلامي مع الأحداث، وازدواجية المعايير، التي يتعامل بها عالم ظالم.
المعاداة "المزعومة" للسامية ممنوعة، لكن معاداة العرب والمسلمين واجبة ومحبذة، بينما دعم إسرائيل والسكوت عن جرائمها ضروري، والدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في الحياة الكريمة جريمة، ولا يحق لعشاق باريس سان جيرمان التحلّي بروح الإنسانية والتعاطف مع شعب محتل منذ أكثر من سبعين عاماً، واليوم يُباد منذ أكثر من سنة، ولم يبقَ له سوى جماهير الكرة لتدافع عنه، وتحث العالم على ضرورة نصرته، على الأقل برفع لافتات كبيرة وشعارات وأهازيج وهتافات تطالب بالحرية لفلسطين.
حين تتحرك جماهير الكرة والشعوب الحرة، يدرك الجميع أن القضية الفلسطينية لم تعد مجرد صراع سياسي وعسكري وإعلامي بين فلسطين وإسرائيل، بل قضية إنسانية يتردد صداها في قلوب شرفاء العالم وأحراره من العرب والعجم والمسلمين والمسيحيين غيرهم، حتى ولو كان مجرد ارتداء قميص يحمل علم فلسطين في بعض الدول العربية يعتبر جريمة للأسف الشديد.