أعادت البولندية، إيغا شفيونتيك، الجدل بخصوص المساواة بين الرياضيين بخصوص المنح التي يحصلون عليها في الاختصاص نفسه، حيث طالبت المصنفة الأولى عالمياً بأن تكون هناك مساواة بين الرجال والنساء في المنح التي يكسبونها من البطولات التي يشاركون فيها.
وتعتبر البولندية أنّ من غير المنطقي أن يكون توزيع المنح مختلفاً بين الجنسين، رغم المشاركة في البطولات نفسها، وهي بالتالي تعيد الجدل بخصوص هذا الملف إلى نقطة البداية، وتقحم عالم التنس في هذه القضية التي برزت في السنوات الأخيرة، وبدأت تتحسس طريقها في مختلف الاتحادات من أجل فرض واقع جديد في الرياضة من خلال إقرار المساواة في المنح، ليكون عدلٌ بين الرياضيين، رغم أن بعض البطولات تضمن المساواة مثل رولان غاروس، حيث حصلت البولندية في العام الماضي على مبلغ 2.2 مليون يورو، مثل الإسباني رافايل نادال، الذي توج في منافسات الرجال، وفق ما نقلته صحيفة "ويست فرانس" الفرنسية.
كذلك اعتمدت بطولة ويمبلدون منذ عام 2007 قراراً يقضي بأن تكون المنح بين الرجال والإناث متساوية، ولم يقع التراجع عن هذه الخطوة، غير أن الإشكال يهمّ بقية الدورات الأخرى، أي أن المساواة تطبق في منافسات "غراند سلام" فقط، بينما تسجل بقية البطولات اختلافاً كبيراً، حيث طالبت البولندية الاتحاد الدولي بالتدخل من أجل الحد من الفوارق في المنح.
وهذا الجدل برز أساساً في الولايات المتحدة، عندما طالبت لاعبات كرة القدم، الاتحاد المحلي بأن يكون عادلاً، وأن يحصل المنتخب النسائي على المنح التي يحصل عليها الذكور خلال المشاركة في البطولات أو المنح اليومية، باعتبار أنّه لا يوجد أي مبرر للتمييز بين الجنسين، وقد وجدت الدعوة في البداية معارضة قوية، لكن الصراع تواصل سنوات طويلة إلى أن اعتمد الاتحاد الأميركي في عام 2022 قراراً يقضي بالمساواة الكاملة بين منتخب السيدات، وكذلك منتخب الرجال، وهو ما يمكن اعتباره ثورة في الرياضة العالمية، لأن هذه الخطوة فتحت الباب أمام انتشار الجدل في عديد البلدان الأخرى، وبعد أن كانت الطلبات في البداية محتشمة، ارتفعت الأصوات المنادية بالمساواة الكاملة بين الجنسين في غياب أي مبرر لعدم التسوية.
واتسعت دائرة المطالبة لتشمل البلدان الأوروبية، وخاصة في فرنسا وإسبانيا، عندما تزايدت الدعوات إلى إقرار المساواة الكاملة، لكن الدعوات لم تحقق النتائج المرجوة مثلما حصل في الولايات المتحدة، رغم تحقيق بعض المكاسب الهامة بهذا الخصوص، ونجحت سيدات إسبانيا في النهاية في كسب التحدي، حيث اعتمد الاتحاد الإسباني، في منتصف العام الماضي، قراراً يضمن المساواة بين منتخب الرجال والسيدات في المنح والرواتب ومختلف الامتيازات، بعد دعوات قوية من أجل السير على خطى عديد القطاعات الأخرى.
ويفترض أن تتواصل الحملات الداعية إلى المساواة في المستقبل، وذلك مع قرب إقامة نهائيات كأس العالم لكرة القدم للسيدات، ذلك أن التركيز على كرة القدم يعتبر منطقياً، بما أنّها الرياضة الشعبية الأولى في العالم، وكل خطوة تقوم بها الاتحادات المحلية أو الدولية ستنسحب على بقية الرياضات الأخرى، وتشجع البقية على تطبيق مبادئ المساواة.
ولا تجد فكرة المساواة في الرواتب والمنح مساندة قوية، فلئن كان من السهل فرض مثل هذه القرارات على الاتحادات باعتبار خصوصيتها، فإنّ من شبه المستحيل فرض هذا الأمر على الأندية، نظراً لاختلاف الوضع واستقلالية نشاط الأندية، ذلك أن منح اللاعبين ورواتبهم والامتيازات التي يحصلون عليها في المنتخبات، محددة منذ البداية، ولا يوجد لاعب يحصل على منح أفضل من غيره باستثناء المكاسب من عقود الرعاية التي تجعل لاعباً أو اثنين في المنتخب يحصلون على منح أفضل من بقية اللاعبين. أما بالنسبة إلى الأندية، فإن كل لاعب يرتبط بعقد مختلف عن غيره من حيث مدته والامتيازات التي يتضمنها، وبالتالي لا يمكن فرض المساواة، وهو ما قد يفسر موقف النجم الألماني، توماس مولر، لاعب بايرن ميونخ الألماني الذي أعلن منذ عامين معارضته المساواة بين اللاعبين واللاعبات.
ومن المتعارف عليه، أن عقود الرعاية التي يحظى بها اللاعبون تفوق بكثير عقود الرعاية بالنسبة إلى الإناث. ذلك أن ترتيب أكثر 10 رياضيين في العالم من حيث الأرباح السنوية تغيب عنه السيدات، إذ إن الشركات الكبرى تفضل الارتباط بالنجوم، وما زالت الرياضة النسائية غير قادرة على أن تُنجب رياضية قادرة على كسب مبالغ كبيرة من عقود الرعاية، رغم تألق العديد من البطلات في مختلف الاختصاصات الرياضية، مثل البرازيلية مارتا، التي كانت أول من طالب بالمساواة، وذلك عندما عادلت الرقم القياسي للألماني ميروسلاف كلوزه في عدد الأهداف في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
وتستند المطالبة بالمساواة إلى المبادئ الأولمبية، حيث لا تميز المنظمة الدولية بين الإناث والذكور، في المنح التي ترصد للمتوجين، وهو ما يدفع عديد الرياضيين إلى تعميم هذا التوجه على بقية الاختصاصات ولكن الطريق لتحقيق تسوية كاملة لن يكون سهلاً، في ظل التباين الكبير في عقود الرعاية التي توفرها مسابقات الرجال والحضور الجماهيري الكبير وغيرها من الملفات الأخرى، رغم ارتفاع متابعة بطولات الإناث، مثلما حصل في بطولة أفريقيا للسيدات التي أقيمت في المغرب العام الماضي. إلا أن الأرقام التي تهم العائدات المالية شاسعة في كل الاختصاصات تقريباً، بما في ذلك مباريات التنس، ذلك أن مواجهة بين نوفاك ديوكوفيتش ورافييل نادال، تجلب كل الجماهير تقريباً، وهو أمر لا يحصل في مسابقات السيدات، فالوصول إلى تحقيق المساواة سيكون مرتبطاً برفع المستوى الفني وزيادة عدد المتابعين.