الرسالة الأساسية التي تعكسها عمارة القبّة كانت التفاخر بفتوحات السلطان الظاهر وحروبه ضدّ الفرنجة والأرمن وصدّه غزوات المغول، وهي بذلك تتشابه والتمثيلات المعمارية الفسيفسائية التي ظهرت في عمارة أخلافه من السلاطين المماليك احتفالاً بانتصاراتهم.
بعكس يومِنا هذا، الذي نميل فيه إلى التنقيب في أدقّ خصوصيّات مشاهير الكتابة والفن، لم يكن كتّاب السيَر في العصور الوسطى يولون أهمية كبرى للحياة العائلية والمشاعر والميول الشخصية. سيرتا أسامة بن منقذ والمؤرخ الدمشقي أبي شامة تشكلان استثناءً.
إذا كانت رواية "رحلات الطرشجي الحلوجي" مختلفة عن بقية أعمال الكاتب المصري لأنها تعتمد هيكل الرحلة عبر الزمن، فإنها لا تخرج كثيراً عما عُرف عنه من جمع بين الواقعية والسخرية، حيث يمرّر للقارئ المعاصر صوراً من تاريخ القاهرة القديمة مفسّراً ما آلت إليه.
إضافة إلى طغيان اقتصاد السوق على مشاريع التوسعة والبناء والتسويق في مكة وجرفها لكلّ ما هو أمامها من مبان تاريخية وأجواء روحانية، فقد تسبّبت هذه الاندفاعة الاستثمارية الشرسة في انفصام هائل ناجم عن التعارض الشديد بين مبادئ النيوليبرالية والأسس الروحية.
تعاني الثقافة العربية من سوء استعمال مجمل قدراتها، من ذلك أن الكثير من طاقتها يُهدر في سبيل مقاومة التعنّت والرقابة والمنع وحماية المثقفين مما هو أخطر، مثل تهديد السمعة وقطع مورد الرزق، وأحياناً محاصرة حياتهم، ما يُلجئ هؤلاء إما للصمت أو الهجرة.
لم يبق من المبنى الفارسي سوى الأطلال، ولكنه لا يزال يمثّل في المخيال الإسلامي رمزاً للأبهة والضخامة، وذلك لذكره في كتب المؤرّخين القدامى وأخبار الخلفاء والأمراء، ووروده في قصائد الشعراء الذين اتّخذوه موضوعاً للعظة والتمثّل بحال الدنيا المتقلّبة.
كان العلم الذي ميّز النشاط الثقافي في العصر المملوكي أكثر من أي علم آخر هو علم التاريخ. فعلى مدى القرنين والنصف من الزمن الذي حكمت فيه طبقة المماليك مصر والشام، ظهرت مئات المؤلفات في التاريخ والسير والتراجم بما تجاوز العصور السابقة.
كانت روح التنافس بين السلاطين والأمراء على من سيوقف المنشأة الأكبر أو الأهم أو ذات الخدمات الأكمل سبباً في انتشار هذا النوع من المؤسسات الاجتماعية، ناهيك عن محاولة توريث الوجاهة عن طريق خلق المناصب لأولادهم وتمويل تعليمهم على أحسن وجه.
بتشييده في القرن التاسع الميلادي، حصلت مصر على أول جامع فيها على الطراز السامرائي الآجري، لكن يبدوا أن المؤرخين المصريين لم يعرفوا أن جامع ابن طولون يتبع في طرازه جامع الخليفة المتوكل في سامراء. وقد جهدوا في شرح أشكاله الغريبة.
تخسر الثقافة العربية المعاصرة، التي ينشغل منظّروها بنقاشات قديمة وبالية تُقعدهم عن مواكبة الخطاب النقدي العالمي، أسواقها المحلّية فعلياً وامتداداتها الممكنة في الجوار والعالَم أمام المدّ الثقافي الغربي الذي غزا العالم العربي من محيطه إلى خليجه.