لكن عملية الشنق لم تنجح، لا أدري لماذا، مع أنه طال أمدُها. عندئذٍ، أخذوا أمي ليشنقوها في مكان آخر، بعيداً منّي، حيث لا سبيل لي لرؤيتها. كان وقتاً مروّعاً لا يوصف.
طرحتُ التساؤل الآتي : "كيف أن شاعراً كبيراً مثله، رائد قصيدة النثر بالعربية، ورمز للتجديد والتمرّد والحريّة، كان له وقعه في الأدب العربي الحديث، على مدى ستين عاماً، كيف يكون هكذا غائباً عن سائر اللغات وسائرالثقافات؟
أمورٌ شبه عجائبية لا يدري بها عابرو السبيل، ولا سائر البشر. أن تكون مارّاً، أوائل القرن الحادي والعشرين، في خضمّ هذا الشارع الباريسي، بين زحمة السيارات، والإعلانات الملوّنة
حدّثني ذاك المساء، قال: "ثمة أخطاء لا ترحم، أو هكذا يُخَيّل إليّ في أمر هذا الحلم الذي أخبرتها به. تُرى لِمَ فعلتُ؟ مُذّاك، أشعر بتغيّر في نظرتها إليّ، يصعب عليَّ إدراكه.
منذ أمد، أودّ التعبير عن هذه الرؤية الذاتيّة لأعمال جبران خليل جبران الأدبية والفنية، التي لا أدري إذا كان أحدٌ من قبل، من بين قارئيه ودارسيه الكثُر، قد تطرّق إليها.
في الوقت الذي كنت أتقصّى فيه عن تلك الأفعال المأساوية، اليومية، كنت أغوص في ماضي كاميليا، علّني أجد ما يشير، في صورة أو في أخرى، إلى غيابها. كانتْ كاميليا، شأنها شأن من عرفتهنَّ في هجرتي، شديدة الصدق والشفافية
حين توقّف الباص، بانتْ عن يميننا قريةٌ في أسفل الغابة، كثيرة الرونق، عميقة الهدوء، يجتازها نهرٌ صغير، ويحوطها الضباب الرهيف نفسه. بدأ المطر يهطلُ رذاذاً. نزلتِ السيّدة المسنّة من العربة وفي يدها مظلّتها