نيران ثلاث
(إلى هشام شلبي)
1.
النهار يتوّج تحوّلات أيّامنا
الشمس تضرب على مرمى منّا
لمسها لأعناقنا
يثيرُ اليأس
الّذي يثقلُ قلوبنا ويسكنُ عيوننا
النهار رمز التمرّد
الليل نفق لا نهاية له
أين تخطو أحلامنا الضجرة
في همس الوجود
هكذا الحرية
تنتقلُ
من الجدّ إلى الأب
من الأب إلى الابن
ومن الابن إلى الحفيد
2.
علّمني أن أقول لا
- أن أوجد
علّمني الصعود على منصّة الإعدام
على الصليب
فوق المقصلة
الموت هو نفسه
- الجلّادون ينوّعون زخارفهم
الحياة قبل الموت
- إنّها على الأرض
علّمني كيف أنضمّ إلى العاصفة
عندما تهبّ
كي تعيد بعث الجسد
علّمني أن أقول نعم
للاضطرابات
للآلام
للحياة
3.
لأننا نعرف جيّداً حدودنا
نخاف كثيراً من المجهول
نزرع الجنون على قارعة أحلامنا
الحصاد يكون بأيدي عزّل
بأقدامنا نحرث الأرض المخضّبة بالصمت
وبقلوبنا نقلب تراب الأرض
الحجر صلب
ونحن أصلب
من تلك الرواسب
الّتي وضعوها في طريقنا
هذه الأرض آية لله
نُترجمها وفق معرفتنا
الأرض مفتوحة للبؤساء
فلتكن لهم حفنة هواء منعش
لقمة خبز
قدح دم
الإنسان سيكون أخيراً في الإنسان
لن ينشد الحكمة
ستولد من عرقه.
■ ■ ■
عظمة
البداية هي الصمت والنهاية لم تعد كذلك
كلّ من اختار الصمت
لم يعد ينتمي إليّ
للقصيدة الحقّ في قطع رقبته
البداية هي الصمت
النهاية فوضى
الفراغ محشوّ
انطلقت الكلمة
أنا حيّ
البداية هي الصمت
النهاية طرد للأرواح السوداء
احذروا إيجازي
فمن هنا تولد
الغزارة والوحدة
النهاية تثبتُ قوّتي
والبداية عجزي
بندقيّة تلتصق بصدري
لا بأس الموت زيف
بإمكاني أن أرحل
البداية هي الصمت والنهاية لم تعد كذلك
من اختار أن يصمت
لم يعد ينتمي إلى هذا العالم
لقد طردته.
■ ■ ■
نشيد الربيع
1.
وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الربيع!
الشمس تخلّصت من الضباب أخيراً ونشرت خيوطها المرهفة الدافئة.
وفي الوعاء الذي تعرّض للتوّ لذلك العنف الطيّب، شرعت بذرة في النشوء.
أخضر هو الازهرار الذي يغنّي صوت الشّفق الجديد.
ونحن
تيّارات بسيطة تحملنا في الهواء
وآخرون أقلّ حدّة يطرحوننا أرضاً إلى جانب الأوراق الميّتة والورود الجافّة.
أتوجّه إلى نعمة الربيع عقب الزوابع لاسترضاء أرواح الشعراء المجعّدة بفعل العواصف والرياح العاتية.
وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيها الربيع!
2.
إنّه ربيع يافع قد استقرّ هنا!
متحدّياً القمم التي لا تزال متوّجة بروعة بياض الثلج، الأوديةُ ومن دون حذر تزوّجت بالتدفّق المنعش لتهب معنى للحياة. وهذا نشيد عصفور سيشدو حيث تنمو البذور النائمة محتفلاً بصلاة للإلهة الأم للمحاصيل والأرض.
لطالما آمنتُ بتماهي الإنسان والربيع.
الإنسان يحمل في قلبه حمّى الخلق المزمنة وذلك الرجل الذي هو الربيع ينبعث من رماده مثل تلك العنقاء التي لا تقوى أيّة لعنة على وأدها.
وهذا أدونيس، مع حلول الربيع، يولَد من جديد مع شقائق النعمان احتفاء بالحياة.
3.
وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيها الربيع!
حينما يرتق نشيد عصفور بسيط جروحاً غائرة وأحزاناً دائمة.
لم يتبقّ للمادّة، وللوقت أو للعالم بدايات لترميها إلينا. إنه الربيع الذي يغرز فينا إبرة الحياة المتجدّدة ويدفع بالحيّ نحو الألوهة.
وأيّ شفاء حَمَلْتَ إلينا، أيّها الربيع!
* شاعر تونسي يكتب بالفرنسية والقصائد هنا من ترجمته