بائع متجوّل
في الخامس الابتدائي، أمره المدرّسُ أن يكتب بالإنكليزية جملاً مفيدة على السبّورة. أمسك الطبشورة وارتعشت قدماه. ثلاث دقائق رهيبة وضجّ الصفُّ بالسخرية.
ـ أُكتبْ أقول لك.
تلفّت نحو المدرس الجبار واستعطفه بنظرة متخاذلة.
ـ أُكتب يا بغل!
كتب بخطوط مرتبكة: تعبان، دخيل الله سيبوني.
عندما انتهى من وضْع النقطة في نهاية الجملة، انهمرت ضربات المؤشّر على رأسه.
ـ أقول إنكليزي وتكتب عربي، خُذ.
فتح الباب وانطلق يعدو شاهقاً بالدموع.
حين وصل إلى بلاطة "فرن المخيم" الخلفية، حيث توضع براميل المازوت، لم يكن أحد.
وضع يده تحت رأسه، وسرعان ما أغفى.
■■■
كساد
جلس الصاحبان على درج الكنيسة، وأنزلا حمْلهما.
غيتارتان، وزجاجة نبيذ مقفلة، وكيس شيبس. فتح أحدهما الزجاجة وشرب قليلاً، ثم أعطاها للثاني، فكرع منها، وجعل يتمزمز بالشيبس. واصلا الشرب، حتى انتصفت الزجاجة، وبدآ يهيّئان الغيتارتين للّحن المشترك.
انطلقا. كانت ضربات الأول عنيفة وثقيلة على الأوتار. لكن الثاني كان صاحب نصيب الأسد من المعزوفة، فلم تفسد.
استمرّا يعزفان ويشربان حتى فرغت الزجاجة والكيس. المساء بارد. وساحة الكنيسة تعصف بها الريحُ بين لحظة وأخرى.
سرى النبيذ في الدم فأفسد خاتمة المعزوفة.
قام الأول شبه سكران ولفَّ بابتسامة ممتنّة على نزلاء التّرّاسا السبعة ليستقبل كرمهم على ظهر الغيتارة.
عاد مخذولاً لصاحبه، واقتسما الفكَّة الصفراء والحمراء.
مرت عجوز لصقهما صاعدة للزيارة، فمدّ لها الثاني آخر قطعة من الشيبس وضحك.
قام الأول وغاب في المنطقة، بينما كان صاحبه تهيّأ للمغادرة، فرتب حقائبه الصغيرة، ووقف ينتظر الأول بجوار حنفيات المياه.
عاد الأول ومسح الساحة أمامه مندهشاً أين ذهب الصاحب؟
كان المتسول على الباب يرقبهما، وأحس بدهشة الأول فأشار له على صاحبه هناك بجوار سبيل الماء.
نظر فرآه، وابتسم للمتسول وقال: شكراً.
توجه نحو صاحبه، وتحت أرجلهما يرعى كلب دقيق الحجم، وغابوا في الشارع النازل.
نظر المتسول لكوبه، ومشى خطوتين، والتقط من الدرج بضع سنتات.
إنها لهم. والتفت إلى حيث غابوا، بغضب.
لهم ...
وأحسّ بوحشة المساء.
* شاعر فلسطيني مقيم في برشلونة