استيقظت العاصمة اليمنية صنعاء على شوارع خالية، عقب ليلة عصيبة شهدت قصف الطيران العربي للمواقع العسكرية التابعة للحوثيين والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بينما تأثرت الأسواق العالمية بموجة تهاوٍ عنيفة، خوفاً من تطور الأوضاع في المنطقة التي تساهم بأكثر من ثلث إنتاج العالم من النفط.
هزّة داخلية
وتعطلت أوجه الحياة في صنعاء وعدن وتعز، الأكثر اشتعالاً بالأحداث، فأغلقت الشركات
والمصارف والمحال التجارية وأسواق السلع والخضروات. وأغلقت السلطات اليمنية كل الموانئ الرئيسية أمس، وفق مصادر في قطاع الشحن والملاحة، والتي أوضحت أن الموانئ المغلقة تضم عدن والمكلا والمخا والحديدة.
ويستخرج غالبية الإنتاج النفطي في اليمن من المناطق الشمالية بينما تأتي الكمية المتبقية من منطقة شبوة في الجنوب.
وأعلنت وزارة التعليم اليمنية عن إجازة لطلاب المدارس، كما لم يتوجه الموظفون إلى مقار أعمالهم خوفاً من أن يطالهم القصف الجوي.
ورصد مراسل "العربي الجديد"، ظهر أمس، اصطفاف طوابير طويلة للسيارات أمام محطات الوقود للتزود بالبنزين، وطوابير طويلة أمام المحلات التجارية المتاحة للتزود بالمواد الغذائية.
ورصد ناشطون، نزوح مئات الأسر من جوار المقار الرئيسية للحوثيين والقواعد العسكرية التي تضم قوات موالية للرئيس السابق علي عبدالله صالح المتحالف مع الحوثيين.
وأدت الضربات إلى تدمير مواقع عسكرية للحوثيين فضلاً عن تدمير مطار صنعاء العسكري والمدني. وتوقفت الرحلات من مطار صنعاء الدولي بشكل كامل.
وقال نائب رئيس غرفة تجارة صنعاء، محمد صلاح، إن الضربة الجوية تهدد حركة الاستيراد والتصدير نتيجة الحصار البحري والجوي المفروض على البلاد.
وقال صلاح لـ "العربي الجديد": الحركة التجارية في المدينة متدهورة منذ شهور، لكن الوضع يزداد سوءاً وستخلق الضربة الجوية أزمة غذاء شديدة في المدينة".
وأشار إلى أن الاندفاع العشوائي للناس على شراء منتجات القمح والمواد الاستهلاكية يدفع بعض التجار الجشعين الى عرض بضائع فاسدة أو كانت متروكة في ظروف تخزين سيئة وبأ سعار مرتفعة ".
وقالت منى حميد (موظفة) لـ "العربي الجديد": "يستعد سكان صنعاء لحرب طويلة ويتسابقون في تموين البيوت بالطحين والتمر والماء".
وأكدت وزارة الصناعة والتجارة، التي تقع تحت سيطرة الحوثيين، إن الوضع التمويني والغذائي مستقر ومطمئن والمواد الغذائية الأساسية متوفرة في الأسواق المحلية بكميات تفي باحتياجات المواطنين.
وقال وكيل الوزارة لقطاع التجارة الداخلية عبد الله عبد الولي نعمان، في تصريح صحافي، إن المواد الغذائية الأساسية متوفرة بشكل كامل وأن الكميات الموجودة تغطي احتياجات المستهلك لفترة لا تقل عن ستة أشهر.
ارتباك عربي
وعربياً، تراجعت مؤشرات الأسهم الخليجية أمس، بنسب متفاوتة بعد الإعلان عن بدء عملية "عاصفة الحزم".
وقلص مؤشر السوق السعودي -أكبر أسواق المنطقة- معظم خسائر الافتتاح والتي قاربت الـ5 %، لتصل قبل ساعة ونصف من الإغلاق إلى نحو 0.9% قرب مستوى الـ8800 نقطة.
وأوقفت العملية العسكرية، حركة الطيران المدني في جنوب السعودية، الجارة الشمالية لليمن،
كما أوقفت الرحلات الجوية بين كل من مصر والبحرين وبين صنعاء.
وأعلنت الخطوط الجوية العربية السعودية الإيقاف المؤقت لرحلاتها الدولية والداخلية المتجهة من وإلى مطارات المملكة في المنطقة الجنوبية.
وبحسب وكالة الأنباء السعودية الرسمية (واس)، فقد شمل الإيقاف جميع المطارات التي تقع في جنوب السعودية، حتى إشعار آخر (لم تحدده).
كما ألغت شركة الخطوط السعودية رحلتها التي كان من المقرر إقلاعها أمس، من مطار القاهرة الدولي إلى مطار أبها في جنوب السعودية، بحسب مصادر ملاحية مصرية.
اقرأ أيضاً:
"عاصفة الحزم" باليمن تغلق 7 مطارات جنوبي السعودية
وفي البحرين، أعلنت شركة طيران الخليج "الناقلة الوطنية لمملكة البحرين"، تعليق رحلاتها الأسبوعية الخمس ما بين المنامة ومطار صنعاء الدولي، اعتبارا من أمس، وحتى إشعار آخر، وذلك نتيجة الأحداث الأمنية الأخيرة التي تشهدها العاصمة اليمنية.
وقالت الشركة، في بيان لها نشرته على موقعها الإلكتروني، إنها ستعيد التقييم لاحقا لاستمرار التعليق أو استئناف الرحلات وفقا لطبيعة الأجواء الأمنية في صنعاء.
وفي القاهرة، قالت شركة مصر للطيران، في بيان لها، إنها أوقفت الرحلة الجوية التي كانت تسيرها إلى صنعاء يوميا.
صدى عالمي
وعالميا، ارتفع سعر خام برنت حوالي ستة في المائة يوم الخميس، بعد أن بدأت السعودية وحلفاؤها عملية عسكرية في اليمن لكن المستوردين الآسيويين قالوا إنهم لا يشعرون بالقلق من حدوث تعطل فوري للإمدادات.
وانخفض الدولار إلى أقل مستوى في خمسة أسابيع أمام الين يوم الخميس، بفعل مجموعة جديدة من البيانات الاقتصادية الأميركية الضعيفة والإقبال على الملاذات الآمنة التقليدية، من جانب المستثمرين القلقين حيال البورصات العالمية، وإمدادات نفط الشرق الأوسط.
وصعد الذهب أمس، إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع ونصف الأسبوع وزادت الفضة نحو ثلاثة في المائة مع تصاعد التوتر في الشرق الأوسط، وهو ما أثر سلبا على الأسهم والدولار ودفع المستثمرين تجاه الأصول التي تنطوي على مخاطر أقل.
وانخفض مؤشر كاك 40 الفرنسي 1.6% إلى 4939 نقطة في تعاملات أمس، في حين
تراجع داكس الألماني 1.9% إلى 11643 نقطة. كما فقد مؤشر فاينانشيال تايمز البريطاني
1.4% من قيمته إلى 6890 نقطة. وتكبدت بورصة وول ستريت خسائر كبيرة، حيث انخفضت التعاملات الآجلة لمؤشري داو جونز ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأوسع نطاقا بنسبة 0.6%.
أكبر الخاسرين
وتوقع محللون اقتصاديون أن تؤدي حدة الصراع في اليمن إلى تفاقم المعاناة المعيشية والإنسانية لليمنيين، معتبرين أن أول ضحايا النزاع المسلح هو الاقتصاد اليمني الهش الذي يتجه سريعاً صوب الانهيار ويعاني أزمة مالية وأزمة في الميزانية وارتفاعاً للديون.
وقال تقرير لمركز بحوث التنمية الاقتصادية في اليمن، إن تراجع عائدات النفط وانخفاض الاحتياطي النقدي وهروب الاستثمارات ووقف المساعدات الخارجية ونضوب النقد الأجنبي ومخاوف العزلة الدولية لليمن تجعل الاقتصاد على وشك الانهيار.
وأوضح التقرير أن التدهور السياسي والأمني الذي يشهده البلد حالياً يقود الاقتصاد إلى مراحل
تدهور خطيرة جداً، ليصبح إيقافها مستقبلاً عملية صعبة تتطلب إمكانات اقتصادية ومالية أكبر وشروطاً سياسية وأمنية أكثر.
وأكد التقرير أن على القوى السياسية أن تدرك أن الاقتصاد يسير نحو التدهور المتصاعد والانكماش المتزايد والانهيار المتسارع، ولكي يحافظ اليمن على استمرارية المشروعات الاستثمارية الحالية وتستطيع السيطرة على المؤشرات الاقتصادية وإيقافها عند هذه الحدود المتدنية، عليه التسريع في استعادة الاستقرار السياسي والأمني والقانوني والاقتصادي".
ومنذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء ومحافظات أخرى شهدت البلاد انخفاضا كبيرا في حركة النشاط الاقتصادي.
وتعثرت كثير من المشروعات الاستثمارية، فضلا عن هروب عديد من الشركات والمؤسسات الأجنبية ورؤوس الأموال المحلية، نتيجة لقلق عام ينتاب المستثمرين جراء تدهور الوضع السياسي في ظل غياب الحلول.
ويستبعد التقرير، دخول استثمارات جديدة ورأسمال جديد الى اليمن في العامين الحالي والقادم، باستثناء الاستثمارات السياسية الإقليمية.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن البنك المركزي سيعجز عن دفع فاتورة الواردات الضرورية من الاحتياجات الاستهلاكية في غضون شهرين، موضحين أن ذلك سيؤدي الى ارتفاع الطلب على
الدولار مقابل الريال اليمني.
وتهدد الفوضى الأمنية في صنعاء قطاع المصارف، وأكدت شركة الحظاء للصرافة أنها تعرضت لعملية سطو خلال الشهر الجاري، كما تعرضت شركات صرافة أخرى لعمليات مشابهة.
وكانت منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة في اليمن، قد حذرت في تقرير لها، في فبراير/شباط، من أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح على حافة الانهيار، مشيرة إلى أن من هم تحت خط الفقر يصلون إلى 60% من عدد سكان البلاد البالغ 26 مليوناً.
وبحسب إحصاءات حكومية، تكبّد الاقتصاد والموازنة العامة خسائر تقارب 1.48 تريليون ريال (6.9 مليارات دولار)، من جراء التخريب المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء، بين عامي 2012 و2014. كما أصابت الخسائر شركات القطاع الخاص، نتيجة الوضع الأمني المتدهور.
اقرأ أيضاً:
اليمن: حملة إلكترونية لوقف الحرب إنقاذاً للاقتصاد