تميل نظريات العنف إلى إحالة جذور هذه مشكلة إما إلى السيرة الذاتية والتجربة الشخصية للأفراد، أو إلى عدم المساواة، أياً كان شكلها ومصدرها، لكن الحديث عن إجراء تحليل أكثر ديناميكية للعنف مع التركيز على كيف يصبح العنف وسيلة للوصول إلى السلطة والاحتفاظ بها، يمكن أن يكون إطاراً مناسباً يفسر أيضاً الكيفية التي تصبح بها الأماكن نفسها مناطق عنيفة اجتماعياً، ثم كيف يرتبط هذا العنف بالسياسة الحضرية العمرانية.
يأخذ موضوع العمران والعنف تشعبات مختلفة، بين علاقته بالطبقة والجندر والنظام السياسي للدولة، ومن أبرز المتضررين من العمران وعلاقته بالعنف الاجتماعي والسياسي والثقافي، المجتمعات الفقيرة التي تسكن العشوائيات التي هي في واقع الأمر أحد نتاجات الإهمال الحكومي في أي بلد.
كانت الأحياء الفقيرة والمحرومة دائماً وما زالت مسؤولة عن التخطيط الحضري الخاص بها، فلا يمكن للمقيمين فيها الانتظار حتى يظهر المخططون وتُوضع استراتيجيات لمواجهة مشكلات تتطلب حلولاً فورية.
علاوة على ذلك، عندما يتعلق الأمر بمنع العنف، تُظهر التجربة أن تدخل الدولة ليس دائماً ما يريده أو يحتاجه السكان، ومع ذلك، يُنظر إلى مبادئ التخطيط والتصميم لمكافحة العنف بشكل عام على أنها أساليب نظرية ولا يمكن تطبيقها أو التأكد من جدواها.
في مسألة "العنف والعمران" تتحدث الأكاديمية المصرية داليا وهدان، عند الخامسة والنصف من مساء اليوم، ضمن اللقاء الرابع لـ "سكة معارف جمعية النهضة العلمية والثقافية" في القاهرة.
ووفقاً لبيان المحاضرة فإنها تتعمق في "مبدأ كل ما هو شخصي هو بطبيعة الحال سياسي"، من زاوية النظر إلى الكيفية التي يمكن أن يصبح بها العنف "نمطاً يومياً من أنماط إنتاج علاقة الإنسان بالمكان والعكس، وكيف يمكن أن يصبح هوية في حد ذاتها، تماثل هوية النوع والعرق والدين والطبقة والجنسية".
تتحدث الباحثة حول نموذج من أدق الممارسات الدالة على هوية "العنف في العمران"، وهي ممارسات الإزالة والإخلاء، سواء كانت هذه الممارسة إزالة مبنى أو منطقة أو فرد من مكان اعتاد عليه، أو إخلاء بناء من سكانه أو منطقة من سكانها بالتراضي أو الإرغام.
تأتي المحاضرة، في فترة تقوم فيها الدولة المصرية بعمليات إزالة لكافة المناطق العشوائية غير الآمنة، والتي تقدر بستين في المئة من مساحة العمران فيها، فقد جرت مؤخراً أعمال هدم وإزالة مباني منطقة عين الصيرة بمنطقة مصر القديمة بمحافظة القاهرة.
ووفقاً لـ"المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، فقد حضرت قوات أمن، الشهر الماضي إلى منطقة عين الصيرة بحي مصر القديمة للبدء في المرحلة الأولى من مراحل عمليات إزالة المنطقة وإخلاء سكانها منها ونقلهم إلى منطقة الأسمرات بالإكراه، مصطحبين سيارات قمامة وفقاً لشهود عيان من المنطقة لنقل أثاث المنازل بها، فهل يوجد وصف آخر لهذه الممارسات غير "العنف"؟ وهل يمكن اعتبار هذه الممارسات "تخطيطاً"؟