والقبقاب هو حذاء خشبي قديم، ربما لم يشاهده الناس في هذه الأيام سوى في مشاهد المسلسلات السورية، لكن هنا في نابلس ما زالت طرقاته تُسمع في مساجد حاراتها القديمة، وحماماتها التركية التاريخية.
من أمام منجرته في حارة القيسارية، يقول النجار عزام خضير (56 عاماً) لـ "العربي الجديد"، بعد أن يزيح كمامة بيضاء تغطي أنفه وفمه "هذه آخر منجرة تصنع القبقاب، يقصدنا الناس من كل مناطق فلسطين المحتلة لشرائه، يأتون من الناصرة وحيفا وطولكرم وجنين، وحتى من مدينتي الأصلية اللد في الداخل المحتل، والتي لجأ أبي منها إلى نابلس عام 1948 مع من لجأوا من الفلسطينيين".
يُشغّل الستيني وليد خضير منشاره الكهربائي الحديث ليضع اللمسات الأخيرة على قبقاب صنعه للتو، فيلبس عزام كمامته ويهرب بعيداً عن غبار الخشب المنشور، فعزام خضع لعملية جراحية مؤخراً في قلبه، وحذره الطبيب من التعرض للغبار.
على ما يبدو زاد مرض عزام من خطورة انقراض المهنة التي ورثتها نابلس عن دمشق ولا تدري دمشق من أين ورثتها، من تركيا أم من المغرب؟
دقّ وليد آخر مسمار في حزام جلدي لفه حول مداس القبقاب، وقال "لسنا من اليوم فقط آخر من يصنع القبقاب في نابلس، فمنذ أن فتح والدانا المنجرة قبل خمسين عاماً هنا، لم يصنعه أحد غيرنا".
دق هاتف وليد، على الهاتف زبون يسأله عن 30 قبقاباً ما إذا كانت جاهزة أم لا. يستطرد وليد الذي ورث مهنة صناعة القباقيب مع ابن عمه عزام عن والديهما اللذين ورثا المهنة عن والدهما، وصنعا القبقاب في مدينة اللد قبل اللجوء إلى نابلس، قائلاً "اشترى زبون من مدينة الناصرة خمسين قبقاباً لحمامه التركي الجديد، وجاء آخر من مدينة قلقيلية واشترى 30 قبقاباً، وثالث من طولكرم اشترى ثلاثة قباقيب".
داخل منجرة خضير، أو "منجرة اللدادوة" كما يسميها أهل نابلس نسبة إلى اللد المحتلة، ثمة أغراض خشبية كثيرة إضافة إلى القبقاب، منها ما يعرفه الناس ومنها ما لا يعرفونه أصلاً، يشير وليد بإصبعه إلى الأغراض بأسمائها "هذا عود حراث، وهذا لوح دراس، وهذه مذراة، وهنا حمالة، وكلها أدوات كنا نبيعها للفلاحين وتستخدم للزراعة والدواب".
ينزل وليد إلى قبو معتم داخل المنجرة ويعود بصحن خشبي مزخرف مع عصا خشبية "وهذا جرن لدق الثوم، سيكون بعد أيام في أميركا، لقد أوصتني عليه صبية فلسطينية ستسافر إلى هناك وتريد أن تحمل شيئاً يذكرها بنا".