"المسحّراتي" في شهر رمضان.. مهنة تختفي

15 مايو 2020
كانت للمسحّرين أصوات جميلة تبهج الصائمين (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ عدّة أيام، أصدر والي غازي عينتاب، في جنوب تركيا، قراراً منع بموجبه المسحّرين من العمل في المدينة، معللاً ذلك بخرقهم لشرط أساسي وهو "عدم جمع الإكرامية" من المواطنين أثناء وبعد انتهاء شهر رمضان، كما جرت العادة. وأشار الوالي في تغريدة له على "تويتر": "على الرغم من أنّ إدارة المقاطعة والبلدية قد صرفت لهم راتبًا من المرافق المحلية، هناك العديد من الشكاوى التي وردت بهذا الخصوص. لذا قررنا حظر الطبول والطبّالين". وقد كان هؤلاء الطبّالون سمة بارزة من سمات شهر رمضان الفضيل في مدينة غازي عينتاب، التي بات يقطنها نحو مليون لاجئ سوري منذ عدة سنوات.

ومع التقدم التكنولوجي ووسائل الاتصال منذ نحو عقدين من الزمن، بدأت مهنة "المسحّر"، أو "المسحرّاتي"، تفقد أهميتها حيث بات أغلب الصائمين في العالم الإسلامي يعتمدون على المنبّهات الإلكترونية للنهوض من نومهم لتناول السحور. ولكن بقي بعض المسحّرين يصرّون على إيقاظ الصائمين، اعتماداً على الطبول أو من خلال ترديد كلمات دينية بصوت عالٍ، تحثّ الصائمين على الاستيقاظ، طمعاً في نيل الثواب والأجر، أو للحصول على "الإكراميات" من الصائمين، بعد انتهاء الشهر الفضيل. وكان "المسحّر" يعدّ من أهم الطقوس الرمضانية في البلاد الإسلامية، قبل أن تبعده التكنولوجيا عن دائرة الاهتمام. وفي ظلّ حظر التجوّل المفروض في مدن عربية وإسلامية بسبب تفشي فيروس كورونا، لم يعد يملك المسحّرون حريّة التنقل في الشوارع وبين الأزقة، والضرب على الطبول والدفوف، وترديد عبارات باتت مألوفة، من قبيل: "يا صايم.. وحّد الدايم"، أو "يا عباد الله وحّدوا الله.. رمضان كريم".


ومن غير المعلوم متى بدأت هذه المهنة، إلاّ أنّه من المؤكّد أنّ عمرها يزيد على نحو 1200 سنة. ومن المرجّح أنّها بدأت في مصر أيام حكم المماليك للبلاد والذي امتد لقرون. يقول أبو أحمد وهو من سكّان دمشق: "كان لكل حارة تقريباً من حارات الشام القديمة مسحّر خاص يعرف أهالي الحارة، ويدقّ على الأبواب منادياً كل صاحب منزل باسمه، كي يطمئن إلى أنه استيقظ". وأضاف: "كانت هناك روحانيات في الشهر الفضيل نفتقدها اليوم، في ظلّ تقدّم وسائل الاتصال، وفي ظلّ تفشي الأوبئة وتردي الحالة المعيشية للناس".

وأشار إلى أنّ الصائمين كانوا يعتمدون فعلاً على المسحّر من أجل الاستيقاظ من النوم لتناول وجبة السحور، أما اليوم فبات ربما مصدر إزعاج للكثيرين، وهو ما جعل الكثير من المسحّرين يتركون هذه المهنة. وأضاف أنّ المسحّرين، قبل عقود، كانوا أولاً يطمعون بالأجر والثواب، أمّا اليوم هناك من يتّخذ من هذا الأمر مصدراً للكسب المادي ليس أكثر. كما أشار إلى أنّ أغلب المسحّرين في العقود الفائتة، كانوا يمتلكون أصواتاً جميلة تبهج الصائمين، وطبلتهم لها إيقاع محبّب.

وأوضح أنّه كان للمسحّرين زيّ خاص يميّزهم، وجولة المسحّراتي في الحي تبدأ قبل موعد السحور بنحو ساعتين، ليتسنّى له إيقاظ جميع السكّان. وأشار إلى أنّ عدداً محدوداً من المسحّرين ما زالوا يعملون في بعض الحارات الشعبية القديمة، رغم إجراءات الحظر بسبب تفشي كورونا.

وأضاف أبو أحمد أنّ المسحرين كانوا يطوفون الشوارع والأزقة على الأقدام، في حين أنّ المسحّرين في الأحياء الجديدة في دمشق، بعضهم ينتقل بالسيارات، والبعض الآخر على دراجات نارية، يدقّون على الطبول بشكل منفّر. ويقول: "لم يعد يحتاج الصائمون إلى من يوقظهم، وخاصة في رمضان الراهن، حيث لا ينام كثيرون قبل السحور مع الحظر الجزئي وأحيانا الكلّي المعمول به في المدن العربية والإسلامية".

وبالإضافة إلى "المسحّر"، غابت العديد من العادات الجميلة في المدن الإسلامية في شهر رمضان، بسبب تفشي فيروس كورونا، مثل حفلات الإفطار الجماعي في الشوارع، وتوزيع وجبات سريعة عند إشارات المرور من قبل متطوّعين يطمعون بالأجر والثواب، وحفلات الإفطارات العائلية، حيث يعدّ رمضان مناسبة لتجمّع العائلات، وهو ما يعدّ صعباً بقية شهور السنة. كما اختفت مظاهر الاحتفال برمضان في المقاهي والخيم الرمضانية التي كانت تنتشر في أغلب المدن العربية والإسلامية في الشهر الفضيل. وحلّ رمضان هذا العام في ذروة تفشي فيروس كورونا في العالم كله، حيث لا أسواق تجارية ولا "مولات" كبرى، ولا مطاعم ولا مقاه، في ظلّ حظر التجوّل الكلي، والجزئي وإجراءات التباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل لمحاصرة الوباء.