تكرّرت، خلال الأسابيع الماضية، في مصر، وقائع إصدار قرارات بتجديد سجن متهمين في قضايا سياسية، من دون حضورهم من محبسهم أو السماح للمحامين بتقديم دفوعهم.
وتكرّر، في الوقت نفسه، السؤال حول كون القرارات بتجديد حبس المتهمين من دون حضورهم من محبسهم باطلة؟ على هذا السؤال، ردّ محامو "المفوضية المصرية للحقوق والحريات"، بالتأكيد على أنّ أي قرارات تصدر بتجديد حبس المتهمين احتياطياً في غيابهم، "هي قرارات باطلة بطلاناً مطلقاً".
وينصّ القانون على أنه يجوز لقاضي التحقيق، بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم، أن يصدر أمراً بتمديد الحبس الاحتياطي للمتّهم، ما يشير إلى أنّ المشرّع اشترط لنظر أمر الحبس "سماع أقوال النيابة ودفاع المتهم".
وأوضحت المفوضية، في بيان لها، الخميس، أنّ "سنَّ المشرّع المصري الحبس الاحتياطي كإجراء من إجراءات التحقيق، غايته ضمان سلامة التحقيق الابتدائي من خلال وضع المتهم تحت تصرف المحقّق وتيسير استجوابه أو مواجهته، كلّما استدعى التحقيق ذلك، والحيلولة دون تمكنه من الهرب أو العبث بأدلة الدعوى أو التأثير على الشهود أو تهديد المجني عليه، وكذلك حماية المتّهم من احتمالات الانتقام منه وتهدئة الشعور العام الثائر بسبب جسامة الجريمة".
وتابعت "ولأن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي يجوز تطبيقه على واحد من أهم الحقوق الشخصية وهو الحق في الحرية، فقد وضع المشرع لتطبيقه مبررات وشروط وضمانات عديدة.
ولكونه إجراء يتّسم بالوقتية، ويدور وجوداً وعدماً مع استمرار عملية التحقيق لضمانة تحقيق الغاية منه والمذكورة سلفاً، فقد جعله المشرّع على مهل زمنية، عَهِد اختصاص تقريرها إلى عدة جهات، بدءاً من النيابة العامة وحتى محكمة الجنايات.
وجعل أهم هذه الضمانات المرتبطة بصفته الوقتية، ضمانة عرض المتهم، كلما انتهت مدة قرار حبسه، على السلطة المختصة زمنياً لنظر مدى استمرار توافر مبرّرات تطبيق الحبس الاحتياطي في حقه من عدمه، لتصدر قرارها بعدها بما تراه مناسباً، بعد أن تستمع لأقوال النيابة في ما تراه من مبرّرات للحبس ودفاع المتهم حول هذه المبررات".
وقرّر المشرّع في المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية رقم 150 لسنة 1950 والمعدّلة بالقانون 145 لسنة 2006، بأنّه "يجب على قاضي التحقيق، قبل أن يصدر أمراً بالحبس، أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم".
وقرّر في المادة 142 من القانون نفسه، أنّ "الحبس الاحتياطي ينتهي بمضي خمسة عشر يوماً على حبس المتهم، ومع ذلك يجوز لقاضي التحقيق، قبل انقضاء تلك المدة، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتّهم، أن يصدر أمراً بتمديد الحبس لفترات زمنيّة مماثلة، بحيث لا تزيد مدّة الحبس في مجموعه على خمسة وأربعين يوماً".
واستكمل تنظيم هذا العرض في المادة 143 من القانون ذاته، فقرّر أنّه "إذا لم ينته التحقيق ورأى القاضي أنّ تمديد فترة الحبس الاحتياطي، هي زيادة على ما هو مقرّر في المادة السابقة، وجب قبل انقضاء المدة سالفة الذكر إحالة الأوراق إلى محكمة الجنح المستأنفة، منعقدة في غرفة المشورة لتصدر أمرها بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم بمد الحبس فترات متعاقبة، لا تزيد كل منها على خمسة وأربعين يوماً".
"وعليه فقد اشترط المشرع، لنظر أمر الحبس، سماع أقوال النيابة ودفاع المتّهم حول هذه الأقوال. كما أنّ ضمانة نظر توافر مبررات الحبس من عدمه بحضور المتهم، هي ضمانة مهمة"، بحسب البيان.
وعندما انتشر فيروس كورونا، اضطرت الدولة إلى اتخاذ إجراءات للحدّ من انتشاره، وكان منها عدم نقل المحبوسين احتياطيا في بعض قضايا أمن الدولة، من أماكن احتجازهم إلى المحاكم المختصّة بنظر أمر حبسهم، حيث قررت محاكم الجنايات تأجيل نظر تجديدات حبس المتهمين لتعذّر نقلهم إلى المحكمة من محبسهم.
"ولما طال الأمر ولم يكن هناك بد من تطبيق ضمانة عرض المتهمين لتنظر أوامر حبسهم احتياطيا، فقد خرج علينا وزير العدل بقراره بتخصيص بعض دوائر الجنايات لنظر أوامر حبس المتهمين بدون حضورهم من محبسهم، حيث جاء هذا القرار لسلب المتهمين هذه الضمانة ومخالفاً لنصوص قانون الإجراءات الجنائية"، يضيف البيان.
ولما كانت القاعدة أنّ القوانين تخضع في تطبيقها وقوّتها لترتيب إلزامي يعرف بمبدأ "تدرّج القواعد القانونية أو الهرم التشريعي"، حيث يأتي الدستور في قمة الهرم التشريعي يليه القانون ثم اللّوائح التنفيذية وأخيراً القرارات الإدارية.
وحيث إنّ ما صدر عن الوزير هو قرار تنظيمي ينتمي للقرارات الإدارية، فهو لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يخالف ما يعلوه من القواعد القانونية، ومنها نصوص قانون الإجراءات الجنائية التي توجب حضور المتهم جلسات نظر أمر حبسه لإبداء دفاعه. وبحسب التفسير القانوني للمفوضية "فإنّ إدخال قرار وزير العدل حيز التنفيذ ونظر تجديدات حبس المتهمين في غيبتهم، هو انتهاك صارخ للضمانة التي كفلها المشرّع للمتهّم. إضافة إلى أنّه يتضمن مخالفة صريحة لقاعدة تدرّج القواعد القانونية الإلزامية، والمتمثلة في تطبيق قرار إداري بالمخالفة لنص قانوني يعلوه في الهرم التشريعي".
واختتمت المفوضية موقفها القانوني من تجديد حبس المتهمين من دون حضورهم بالقول: "من هنا يصبح أي قرار يصدر بتجديد حبس المتهمين احتياطيا في غيبتهم، قرارا باطلا بطلاناً مطلقاً".