"بريكس" تفقد باءها

20 يناير 2019
+ الخط -
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، تحولت النظم الحاكمة في بعض "البقع" اليسارية المتبقية إلى طبقة تشبه بورجوازية من نوع خاص، تحكم ولها مصالح تحافظ عليها بواسطة السلطة، وفي حالات أسوأ تتحول إلى مافيات لصوصيةٍ تسرق وتضخّم حساباتها السرية في الخارج، مستفيدةً من النظام المصرفي السري الصارم في بنوك سويسرا.. والأمثلة كثيرة من الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية وأفريقيا. شجعت هذه السلوكيات الاتجاهات الشعبوية في العالم، وساهمت في صعود شخصيات يمينية أو متطرّفة، رداً على تيارات اليسار المزعوم، وقد يكون أحدها الرئيس المنتخب حديثاً في البرازيل، جايير بولسونارو. يأتي هذا الرئيس، بعد فترة حكم قصيرة قضاها رئيس بديل للرئيسة ديلما روسيف التي عُزلت على خلفية مخالفات جنائية وفساد، ومحاولة التغطية على أنصارها، وهي بدورها خلفت لولا داسيلفا الذي يقبع في السجن رهناً لمحاكمةٍ على خلفية مخالفات وفساد، وهما رئيسان مغرقان في اليسار، وَعَدَا البرازيليين بالكثير، وخلّفا خيبات أملٍ كثيرة، ليأتي الانتقام على شكل انتخاب يميني متطرّف. 
المنعكس المنتظر هو تغير شكل منظومة بريكس الدولية التي تنضوي البرازيل تحتها، والبريكس هو تجمع اقتصادي كبير تَشَكَّلَ أصلاً من دون رضا من الولايات المتحدة، ويحاول أن ينتهج سياسات وخططاً مناوئة لها، وهذا نهجٌ يعارضه الرئيس البرازيلي الجديد الذي يرغب في تعزيز أواصر التقارب مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى درجة الموافقة على إقامة قواعد عسكرية أميركية على أراضيه.
كان الرئيس البرازيلي الأسبق، لولا داسيلفا، ينظر إلى بريكس فضاءً جديدا وشاسعا يمكن للبرازيل أن تتحرّك فيه بعيداً عن بيئتها المحصورة داخل أميركا اللاتينية، وعزّز قدوم الرئيس الصيني جين بينغ إلى السلطة هذه الصورةَ، فأنشأ بنك التنمية التابع للمنظومة، وأنشأ أيضاً صيغ تبادل جديدة، تعزّز المناخ التجاري بين بلدان البريكس. واعتبرت قمة 2014 ولادةً جديدةً للبريكس، حلّقت فيها البرازيل نجما اقتصاديا لامعا. ولكن بعد طرد روسيف من القصر الرئاسي جاء نائبها مشيل تامر بمزاجٍ متردّد ناحية البريكس، وانخفض التعاون التجاري بين هذه البلدان والبرازيل بشكل كبير، ولو أنه بقي متيناً بعض الشيء مع الصين، لصعوبة وجود بديلٍ تبادلي سريع. ومع ذلك، بدأت شبكة علاقات البريكس بالخمول الذي قد يكون تمهيداً لحضور الرئيس الشعبوي الجديد الذي جاهر، في حملته الانتخابية، بعدائه هذا الحلف، وهو الآن أصبح سيد البرازيل بدون منازع، مع وجود خصومه السياسيين في السجون، أو تركهم يلعقون جراح خيبة الأمل، مع فقدان الهالة الجماهيرية الكبيرة التي تحيط بهم.
يرغب الرئيس الجديد في استعادة سياساتٍ محليةٍ ذات تقاليد مسيحية، ومسايرة لدولٍ كالولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك إيطاليا، وانتقد الصين بشكل صريح من خلفية عدائه للشيوعية، الأمر الذي سيهدد بقية العلاقات التي ما زالت مفتوحة مع دول بريكس عبر الصين. لا تشكل البرازيل داخل بريكس الكتلة الكبرى، ولكن أهميتها تنبع من موقعها في أميركا اللاتينية، وستخلو مجموعة بريكس من ممثل في هذه القارة، ولن يقوى مرشحون كالأرجنتين على سداد الثغرة الكبيرة التي ستخلفها، ويمكن أن تفقد "بريكس" زخمها في هذه القارة لصالح الولايات المتحدة، وقد تشجع أنظمة أخرى كفنزويلا على الإطاحة بقادتها اليساريين، وهذا رهن بمقدار النجاح الذي يمكن أن تحققه البرازيل تحت قيادة يمنية شعبوية من هذا النوع، وبوجود الرئيس البرازيلي الجديد من المحتمل أن تفقد بريكس الحرف الأول من اسمها، وتبقى "ريكس" فقط، وهذا مثالٌ جديدٌ على فشل كل التجمعات الاقتصادية التي قامت، ولديها نيات لمواجهة الولايات المتحدة، من دون أن يكون للولايات المتحدة يد مباشرة في إفشالها. لم تفشل "بريكس" بعد، لكنها تفقد زخماً اكتسبته بعد العام مؤتمر 2014، ويمكن أن يكون للهند (عضو البريكس) رأي مخالف أيضاً للمجموعة، بغية الحصول على إعفاءاتٍ إضافية من العقوبات التي تستهدف متعاملين مع إيران، ما قد يوجّه ضربة قاصمة لهذا التجمع من دوله ذاتها..
دلالات