في الثامن حزيران/ يونيو من كل عام، تُستَعاد ذكرى رحيل الشاعر والموسيقي الجزائري، علي معاشي، والذي اغتالته سلطات الاحتلال الفرنسي في مثل ذلك اليوم من عام 1958.
اعتُمد هذا التاريخ "يوماً وطنياً للفنّان". وفيه، يعود الحديث، على وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية، عن واقع الفنّان الجزائري وانشغالاته الكثيرة، والتي لا تبدأ بوضعه الاجتماعي المزري، ولا تنتهي عند كثرة "المتطفّلين" على الساحة الفنّية.
على أن هذا الواقع شهد تغيّرًا ملحوظًا في السنوات القليلة الأخيرة، بعد إصدار قانون خاصّ بالمشتغلين في المجال الثقافي والفني، جعلهم يستفيدون من التأمين الصحي وخدمات اجتماعية أخرى، مثل التقاعد.
ومنذ عام 2007، بات هذا التاريخ مرتبطًا بإعلان وتوزيع "جوائز رئيس الجمهورية لإبداعات الشباب"، التي أُسّست عام 2006، وتُمَنح للمشتغلين في المجالات الأدبية والفنّية الذين تقلّ أعمارهم عن 35 سنة.
في دورتها الحالية، التي أُقيمت أمس، كان المشهدُ مكرّرًا إلى حدّ كبير: طابور من الفائزين يستلمون جوائزهم من وزير الثقافة بعد أن استمعوا إلى خطاب طويل عريضٍ عن "الجائزة التي تؤكّد اهتمام فخامة الرئيس بالمبدعين الشباب وحرصه على تشجيعهم".
وحده الديكور كان مختلفًا هذه المرّة؛ إذ أُقيم الحفل في مدينة مستغانم، غربي البلاد، بمناسبة احتضانها، هذا العام، تظاهرة "عاصمة المسرح الجزائري".
منذ انطلاقتها، أسالت الجائزة كثيرًا من الحبر ووُجّه إليها كثير من الانتقادات. في دورتها الأولى، سرت في المشهد الثقافي أحاديث عن أنها وُزّعت بعيدًا عن مبدأ المنافسة، إذ لم يُعلَن عن المسابقة، ولا جرى اختيار عددٍ من الأسماء بسبب ضيق الوقت.
لكن المحاباة وانعدام المصداقية ستضلّان تُهمتَين تطاردان الجائزة، خصوصًا أنها لا تُعلن عن لجان تحكيمها، ولا تستند إلى شروط ومعايير واضحة؛ إذ تُمنَح في مجال الأدب، على سبيل المثال، للمخطوطات والأعمال المطبوعة على حدّ سواء.
تحمل الجائزة اسمَي شخصيّتَين في آنٍ واحد؛ فهي "جائزة رئيس الجمهورية لإبداعات الشباب"، وهي "جائزة علي معاشي". لكن، في مقابل هذا السخاء في التسميات، فإن قيمتها المادية متواضعةٌ جدًا؛ إذ لا تتجاوز قيمة الجائزة الأولى 3000 دولار أميركي، بينما تُقدَّر قيمة الجائزة الثالثة بقرابة 600 دولار فقط. وهذه الجزئية كثيرًا ما كانت مثار انتقاد وسخرية لدى كثير من الكتّاب والفنّانين، بمن فيهم الذين سبقوا وفازوا بها.
غير أن ما يُؤخَذ على الجائزة لا يقتصر على الجانب المادي. لعلّ أسوأ سلبياتها أن كلّ شيء ينتهي بمجرّد انطفاء أضواء الحفل؛ إذ لا تُتابع الأعمال الفائز بالنشر أو بالترجمة أو بالترويج، على خلاف ما يُعمَل به في كثير من الجوائز العربية والأجنبية.
تتّبع الجائزة وزارة الثقافة بشكل مباشر، وتشرف عليها لجان تحكيم مجهولة الهوية، ما يعكس غياب الطابع المؤسّساتي الذي يُمكن تجسيده من خلال مجلس إدارة يتابع الأعمال الفائزة بعد عودة أعضاء لجان التحكيم إلى بيوتهم.
من نتائج ذلك أن الجائزة لم تُشرف، منذ تأسيسها، على إصدار ديوان شعري أو عمل روائي واحد. في حين ظلّت النصوص المسرحية الفائزة مجهولة بالنسبة إلى القارئ والمتفرّج معًا؛ إذ لم يصدُر أيّ منها في كتاب، ولم يُقدَّم على خشبة المسرح التي تشتكي، في الأصل، من شحّ في النص المسرحي.
ورغم أن القائمين على الجائزة صرّحوا غير ما مرّة بقرب إصدار جميع الأعمال الفائزة منذ الدورة الأولى في طبعات خاصّة، فإن تصريحاتهم ظلّت مجرّد وعود إلى اليوم.
كلّ تلك الملاحظات، بالإضافة إلى كثرة الفائزين بالجائزة (تُمنح في ثمانية مجالات يضمّ كلّ واحد ثلاثة فائزين على الأقل)، جعل منها ما يشبه مهرجانًا لتوزيع الشيكات وشهادات التكريم على الجميع إلّا من أبى المشاركة، وأفرغها من أيّة قيمة أدبية ورمزية.
إن سألتَ أيّ فائز بها عن سبب مشاركته في جائزة بهذه المواصفات، فإنه لن يتحرّج من الإجابة بأن قلّة ذات اليد تجعل الواحد يقبل "البقشيش"، وقد يعدك بأنه سيبحث عن التكريس والانتشار والقيمة المادية (المحترمة) في جائزة أخرى.