تتخذ التنظيمات المتطرفة، وفي مقدمتها "داعش"، من البيئات التي تسودها الفوضى منطلقاً لنشاطها وتمددها، متبعةً طريقة تشبه تماماً الأسلوب الذي يعتمده فيروس كورونا في مهاجمة الإنسان، مستغلاً ضعف وفوضى الجهاز المناعي. ففي بداية الثورة السورية انسحب النظام، أمنياً وخدمياً، من مدينة بنش التابعة لمحافظة إدلب شمال سورية، تاركاً المدينة لحالة من الفوضى التي استغلها المتطرفون وقاموا بتأسيس كل من حركة أحرار الشام الإسلامية وتنظيم جبهة النصرة، الذي انشق عنه تنظيم "داعش" لاحقاً، واتخذوها منطلقاً للسيطرة على مساحات واسعة من الجغرافية السورية، وقاموا بالفتك بكل مؤيدي الثورة. كما دمروا كل مظاهر الحياة المدنية التي كان يعيشها سكان المناطق التي سيطرت عليها تلك التنظيمات، وتحكموا بكل تفاصيل سلوكهم اليومي وطريقة لباسهم وحتى طريقة تعاطيهم ضمن عملهم.
الآن ومع انتشار فيروس كورونا في معظم أنحاء العالم، ووصول خطره إلى سورية وتسجيل عدد من الإصابات في مناطق سيطرة النظام والإجراءات الوقائية التي تتبعها كل أطراف الصراع في سورية في كل المناطق لتجنب الإصابات بهذا الفيروس، ومع جنوح الجميع للتهدئة بسبب وجود كارثة كورونا كوباء مشترك يستهدف الجميع، بدأت تظهر تحركات لخلايا تنظيم داعش التي كانت شبه خاملة قبل انتشار هذه الجائحة. وبدأت تلك الخلايا بمهاجمة مواقع لكل من قوات النظام وبعض المليشيات، وتمكنت من قتل وجرح عدد من العناصر، لتعود الى نفس الاستراتيجية التي تتبعها منذ نشوئها وهي استغلال حالة الفوضى والخواصر الرخوة لدى الخصم، بالإضافة لاستغلال الكوارث الطبيعية من أجل تنفيذ هجمات من دون اكتراث لمواثيق أو إقامة أي اعتبار لقواعد الحرب والاشتباك مع العدو.
يجعل هذا الأمر من وجود بقايا لتنظيم داعش في البادية السورية في ريف حمص الشرقي، وعلى أطراف ريف حماة الشرقي وريف السويداء الشرقي، خطراً يهدد تلك المناطق في حال تفاقم انتشار فيروس كورونا في مناطق سيطرة النظام. كما أن انتشار الوباء في مناطق المعارضة يحمل تهديداً آخر، يتمثل في استغلال تنظيم "هيئة تحرير الشام" للفوضى التي يخلفها الوباء، من أجل استعادة هيبتها التي فقدتها خلال حملة النظام الأخيرة على ريف إدلب، واستعادتها التحكم بمفاصل الحياة الاجتماعية لما تبقى من مناطق تحت سيطرة المعارضة. وبينما ينشغل العالم بالاتقاء من كورونا، فإن انتشار الوباء في سورية يتطلب الوقاية منه ومن خطر التنظيمات المتطرفة.