كانت دنيا تطرق أبواب المدينة بحثاً عن شكل مغاير لحياة القرية التي غادرتها مظلومة من ذوي القربى، محملةً بفطرة أبناء الريف، بعفويتهم وطيبة قلبهم، لتعمل خادمة في البيوت وتصيغ من علاقة الخادم والمخدوم حكاياتها. وفي حكايات الخادمة دنيا مع مخدوميها في الجزء الأول، وجد المشاهد ما يثير الضحك والحزن بآن معاً.
تدس الفتاة الطيبة القلب أنفها في خصوصيات مخدوميها، تريد أن تساعدهم وأن تأخذ بيدهم، لكن سوء التصرف أو سذاجته سرعان ما يأخذ النوايا الحسنة إلى حيث لا تشتهي السفن، فينقلب الفعل الطيب للخادمة دنيا إلى فعل مؤذ لمخدوميها، وعوضاً من أن تمسح دنيا دمعة قهر عنهم، كثيراً ما كانت تضيف إلى دموعهم غصة.
ولأن الثرثرة صفة متلازمة لطيبة "دنيا" وسذاجتها، ستبقى هذه الأخيرة (صاحبة مشاكل) تنتقل مطرودة من بيت إلى بيت ولسان حالها في كل مرة تختم مسيرة عملها بالبيت: "سامحوني.. مش قصدي".
تحولات "دنيا" بعد كل هذه الأعوام، كانت الحاجز الذي على الفنانة أمل عرفة عبوره، فالناس تريد "دنيا" التي أحبتها ولكن ضمن منطق درامي جديد، فعائلة طرفة التي ظهرت في الجزء الجديد تفترض أن الجزء الثاني الذي يحدث (الآن وهنا) اختار أن يخطو قفزة زمنية في أحداثه عمّا انتهى إليه الجزء الأول، وتلك القفزة الزمنية التي يبديها الجزء الجديد تفترض وعياً جديداً ستحمله "دنيا أسعد سعيد" بحكم تقدم العمر، لابد أن يظهر في أسوأ أحواله بسلوكها الشخصي، وبالتالي عليها أن تنسج مواقفها الضاحكة انطلاقاً من منطق عقلي جديد لا يشبه منطق تفكيرها في الجزء الأول، بحكم فارق العمر والتجربة.
اقرأ أيضاً: كاتب مسلسل "دنيا" لأمل عرفة: بلى سرقتِ وهذه الوثائق
إلا أن الجزء الجديد من المسلسل كشف أن "دنيا" لم تغير من صفاتها وسلوكها القديم، ولكن هذا السلوك لم يعد فطرياً كما كان من قبل، بل بدا مقصوداً في كثير من الأحيان لاسيما وهي تصر ألا تسكت عن الخطأ مهما كان الثمن.
تحولت "دنيا" بذلك من فتاة ريفية تدفعها الفطرة للدفاع عن الناس إلى مصلح اجتماعي أحياناً، وإلى "روبن هود" أحياناً، وسوى ذلك من مواقف بطولية لصالح إحقاق الحق كما تفهمه هي. هل كان ذلك السلوك القصدي في شخصية "دنيا"، واحداً من مؤشرات النضج الذي حل على شخصيتها مع تلك القفزة الزمنية؟ ربما نعم، لكنه ليس هو المطلوب.
كان المطلوب من الجزء الثاني من المسلسل أن يأتي بجديد لـ"دنيا" يحفظ لها حاضراً حميمياً مع الناس، الأمر الذي نفترض أن أداء مثالياً له، سيكون في الاتكاء على ما أحبه الناس في شخصية "دنيا أسعد سعيد" عند نسج حكايات الجزء الجديد، لا الاتكاء على الشخصية نفسها.
هنا نحن نتحدث عن الحفاظ على حس "دنيا أسعد سعيد" الكوميدي العفوي، وابتعادها عن التنظير واعتمادها على الذكاء والحدس الفطريين ولكن بقالب واقتراح درامي جديد، وذلك أمر ربما أدركته الفنانة أمل عرفة، لكنها لم تنجح مع شركائها في كتابة النص بتطبيقه كما يجب، هذا ما يجعلنا نعتقد أن "دنيا"، كشخصية لا كمسلسل ظلت تراوح في المكان الذي كانت عليه في الجزء الأول أو تراجعت إلى الوراء بقليل.
لا يمنع ذلك من القول إن "دنيا أسعد سعيد" كانت ماركة أمل عرفة المسجلة ولم تزل، لا في حسها الكوميدي وحسب، وإنما في فن أداء الممثل أيضاً، والمقصود بالحديث عن تراجع شخصية "دنيا"، هو بناؤها الدرامي لا أداؤها التمثيلي.
بالمقابل تراجع المسلسل في جزئه الثاني إلى الوراء رغم أنه امتلك الحد الأدنى من ألَق جزئه القديم، إلا أنه لم يستطع أن يواكب بإضافاته الجديدة، تحولات "دنيا" المفترضة أو حتى البقاء إلى جانبها في ظل مراوحتها المكان.
وكان مقتل الجزء الجديد من المسلسل، في تراجعه عمّا تبناه الجزء الأول من قبل من بناء تراجيكوميدي لحكايته، لصالح مقترح درامي جديد، بغض النظر عن تسمياته، إلّا أنه ظل أقل من مرامي مسلسل "دنيا" الذي قدم لنا في جزئه الأول، الحياة كمزيج من التراجيديا والكوميديا، وكانت هذه الأخيرة تسمو بقدرتها على التوغل في أعماق التراجيديا لا بالاستقلال عنها، وذلك للأسف بدا بأضعف أحواله في الجزء الثاني إذا قيس بالجزء الأول.
ليس كل ما يضحك هو كوميديا، كما يؤكد أهل الاختصاص، ولا تصنع (الأفيهات) والقفشات والحركات وحدها كوميديا تهريج، إن كانت هي المقصودة، فحتى هذه الأخيرة تحتاج إلى بناء درامي خاص، ودراسة للشخصيات ومكوناتها، فضلاً عن تفاعلها مع الشخصيات المحيطة ودون ذلك فهي "استهبال"...كل ما سبق يجعلنا نعتقد أن توسيع العائلة المحيطة بالفتاتين "دنيا" و"طرفة"، على النحو الذي جاء في الجزء الثاني، أضر بالعمل ودفعه خطوات إلى الوراء، بل وجاء بنسخة كادت، لولا ابتعاد الكاميرا عن لوكيشنات العائلة من وقت إلى آخر، أن تحيلنا إلى جزء جديد من مسلسلات عائلة النجوم الكوميدية (مسلسلات "عيلة ست نجوم" وما تلاها).
ووسط هذه العائلة كان مسلسل "دنيا" يفقد كل نقاط قوته لصالح التهريج المبالغ به إلى درجة "الاستهبال" وكثير من الضجيج. ولنتذكر كيف أن أضعف حلقات "دنيا2" كانت تلك الحلقات التي دارت أحداثها بشكل أساسي ضمن أفراد العائلة، ومثال ذلك الحلقتان التي كسبت فيهما "دنيا" جائزة اليانصيب وما تلا ذلك من أحداث.
مشكلة العائلة كانت بفهم أفرادها/الممثلين للأداء الكوميدي في نمط درامي مثل مسلسل "دنيا" ، وزاد من كشف عيوب هذا الفهم للأداء أنه جاء جنباً إلى جنب، مع جدية الأداء الكوميدي للفنانتين أمل عرفة وشكران مرتجى في النسبة الغالبة من مشاهدهما، مما أحدث الفارق في الضحك ومحاولة الإضحاك، في وقت بدت طاقة الفنان أيمن رضا الكوميدية الفائقة أكبر بكثير من أن تحصر في شخصية الكسول الاتكالي التي يؤديها. وعلى الرغم من أن الفنان رضا حمل الشخصية إلى مستوى أعلى بكثير مما هي عليه بالنص المكتوب، إلا أنها ظلت أقل من أن تُهدر فيها طاقة تمثيلية كبيرة مثل تلك التي يملكها الفنان رضا.
أمّا شخصية طرفة العبد، فقد تقدمت بخطوات عمّا كانت عليه في الجزء الأول، بدت أكثر نضجاً، وأكثر قدرة على اجتراح الضحكة، وتطور الشخصية على الورق على هذا النحو، يحسب للفنانة أمل عرفة وشركائها في كتابة نص العمل، بينما يحسب للفنانة شكران مرتجى فهمها لطبيعة أداء الكوميديا واشتغالها على شخصيتها على عدة مستويات.
اقرأ أيضاً: دنيا الجزء 2.. بين "كاندي كراش" وفيسبوك!
تدس الفتاة الطيبة القلب أنفها في خصوصيات مخدوميها، تريد أن تساعدهم وأن تأخذ بيدهم، لكن سوء التصرف أو سذاجته سرعان ما يأخذ النوايا الحسنة إلى حيث لا تشتهي السفن، فينقلب الفعل الطيب للخادمة دنيا إلى فعل مؤذ لمخدوميها، وعوضاً من أن تمسح دنيا دمعة قهر عنهم، كثيراً ما كانت تضيف إلى دموعهم غصة.
ولأن الثرثرة صفة متلازمة لطيبة "دنيا" وسذاجتها، ستبقى هذه الأخيرة (صاحبة مشاكل) تنتقل مطرودة من بيت إلى بيت ولسان حالها في كل مرة تختم مسيرة عملها بالبيت: "سامحوني.. مش قصدي".
تحولات "دنيا" بعد كل هذه الأعوام، كانت الحاجز الذي على الفنانة أمل عرفة عبوره، فالناس تريد "دنيا" التي أحبتها ولكن ضمن منطق درامي جديد، فعائلة طرفة التي ظهرت في الجزء الجديد تفترض أن الجزء الثاني الذي يحدث (الآن وهنا) اختار أن يخطو قفزة زمنية في أحداثه عمّا انتهى إليه الجزء الأول، وتلك القفزة الزمنية التي يبديها الجزء الجديد تفترض وعياً جديداً ستحمله "دنيا أسعد سعيد" بحكم تقدم العمر، لابد أن يظهر في أسوأ أحواله بسلوكها الشخصي، وبالتالي عليها أن تنسج مواقفها الضاحكة انطلاقاً من منطق عقلي جديد لا يشبه منطق تفكيرها في الجزء الأول، بحكم فارق العمر والتجربة.
اقرأ أيضاً: كاتب مسلسل "دنيا" لأمل عرفة: بلى سرقتِ وهذه الوثائق
إلا أن الجزء الجديد من المسلسل كشف أن "دنيا" لم تغير من صفاتها وسلوكها القديم، ولكن هذا السلوك لم يعد فطرياً كما كان من قبل، بل بدا مقصوداً في كثير من الأحيان لاسيما وهي تصر ألا تسكت عن الخطأ مهما كان الثمن.
تحولت "دنيا" بذلك من فتاة ريفية تدفعها الفطرة للدفاع عن الناس إلى مصلح اجتماعي أحياناً، وإلى "روبن هود" أحياناً، وسوى ذلك من مواقف بطولية لصالح إحقاق الحق كما تفهمه هي. هل كان ذلك السلوك القصدي في شخصية "دنيا"، واحداً من مؤشرات النضج الذي حل على شخصيتها مع تلك القفزة الزمنية؟ ربما نعم، لكنه ليس هو المطلوب.
كان المطلوب من الجزء الثاني من المسلسل أن يأتي بجديد لـ"دنيا" يحفظ لها حاضراً حميمياً مع الناس، الأمر الذي نفترض أن أداء مثالياً له، سيكون في الاتكاء على ما أحبه الناس في شخصية "دنيا أسعد سعيد" عند نسج حكايات الجزء الجديد، لا الاتكاء على الشخصية نفسها.
هنا نحن نتحدث عن الحفاظ على حس "دنيا أسعد سعيد" الكوميدي العفوي، وابتعادها عن التنظير واعتمادها على الذكاء والحدس الفطريين ولكن بقالب واقتراح درامي جديد، وذلك أمر ربما أدركته الفنانة أمل عرفة، لكنها لم تنجح مع شركائها في كتابة النص بتطبيقه كما يجب، هذا ما يجعلنا نعتقد أن "دنيا"، كشخصية لا كمسلسل ظلت تراوح في المكان الذي كانت عليه في الجزء الأول أو تراجعت إلى الوراء بقليل.
لا يمنع ذلك من القول إن "دنيا أسعد سعيد" كانت ماركة أمل عرفة المسجلة ولم تزل، لا في حسها الكوميدي وحسب، وإنما في فن أداء الممثل أيضاً، والمقصود بالحديث عن تراجع شخصية "دنيا"، هو بناؤها الدرامي لا أداؤها التمثيلي.
بالمقابل تراجع المسلسل في جزئه الثاني إلى الوراء رغم أنه امتلك الحد الأدنى من ألَق جزئه القديم، إلا أنه لم يستطع أن يواكب بإضافاته الجديدة، تحولات "دنيا" المفترضة أو حتى البقاء إلى جانبها في ظل مراوحتها المكان.
وكان مقتل الجزء الجديد من المسلسل، في تراجعه عمّا تبناه الجزء الأول من قبل من بناء تراجيكوميدي لحكايته، لصالح مقترح درامي جديد، بغض النظر عن تسمياته، إلّا أنه ظل أقل من مرامي مسلسل "دنيا" الذي قدم لنا في جزئه الأول، الحياة كمزيج من التراجيديا والكوميديا، وكانت هذه الأخيرة تسمو بقدرتها على التوغل في أعماق التراجيديا لا بالاستقلال عنها، وذلك للأسف بدا بأضعف أحواله في الجزء الثاني إذا قيس بالجزء الأول.
ليس كل ما يضحك هو كوميديا، كما يؤكد أهل الاختصاص، ولا تصنع (الأفيهات) والقفشات والحركات وحدها كوميديا تهريج، إن كانت هي المقصودة، فحتى هذه الأخيرة تحتاج إلى بناء درامي خاص، ودراسة للشخصيات ومكوناتها، فضلاً عن تفاعلها مع الشخصيات المحيطة ودون ذلك فهي "استهبال"...كل ما سبق يجعلنا نعتقد أن توسيع العائلة المحيطة بالفتاتين "دنيا" و"طرفة"، على النحو الذي جاء في الجزء الثاني، أضر بالعمل ودفعه خطوات إلى الوراء، بل وجاء بنسخة كادت، لولا ابتعاد الكاميرا عن لوكيشنات العائلة من وقت إلى آخر، أن تحيلنا إلى جزء جديد من مسلسلات عائلة النجوم الكوميدية (مسلسلات "عيلة ست نجوم" وما تلاها).
ووسط هذه العائلة كان مسلسل "دنيا" يفقد كل نقاط قوته لصالح التهريج المبالغ به إلى درجة "الاستهبال" وكثير من الضجيج. ولنتذكر كيف أن أضعف حلقات "دنيا2" كانت تلك الحلقات التي دارت أحداثها بشكل أساسي ضمن أفراد العائلة، ومثال ذلك الحلقتان التي كسبت فيهما "دنيا" جائزة اليانصيب وما تلا ذلك من أحداث.
مشكلة العائلة كانت بفهم أفرادها/الممثلين للأداء الكوميدي في نمط درامي مثل مسلسل "دنيا" ، وزاد من كشف عيوب هذا الفهم للأداء أنه جاء جنباً إلى جنب، مع جدية الأداء الكوميدي للفنانتين أمل عرفة وشكران مرتجى في النسبة الغالبة من مشاهدهما، مما أحدث الفارق في الضحك ومحاولة الإضحاك، في وقت بدت طاقة الفنان أيمن رضا الكوميدية الفائقة أكبر بكثير من أن تحصر في شخصية الكسول الاتكالي التي يؤديها. وعلى الرغم من أن الفنان رضا حمل الشخصية إلى مستوى أعلى بكثير مما هي عليه بالنص المكتوب، إلا أنها ظلت أقل من أن تُهدر فيها طاقة تمثيلية كبيرة مثل تلك التي يملكها الفنان رضا.
أمّا شخصية طرفة العبد، فقد تقدمت بخطوات عمّا كانت عليه في الجزء الأول، بدت أكثر نضجاً، وأكثر قدرة على اجتراح الضحكة، وتطور الشخصية على الورق على هذا النحو، يحسب للفنانة أمل عرفة وشركائها في كتابة نص العمل، بينما يحسب للفنانة شكران مرتجى فهمها لطبيعة أداء الكوميديا واشتغالها على شخصيتها على عدة مستويات.
اقرأ أيضاً: دنيا الجزء 2.. بين "كاندي كراش" وفيسبوك!