وبين الكلمات شعرة، فقد تتشابه جملتان في بعض الكلمات، فتعطيان معنى ظاهريا واحدا، ولكن كل منهما يخفي معنى آخر باطنا، وهو الأكثر تأثيرا.
جملتان متشابهتان
وأذكر مثالا واحدا لجملتين متشابهتين، الجملة الأولى: "فقط ببعض الجهد المتواصل والمتدرج ستصل إلى النجاح الذي تتمناه"، والجملة الثانية: "سيظل الفشل يلاحقك طوال حياتك حتى تستيقظ وتجتهد"، ورغم أن الجملتين متشابهتان إلا أن الجملة الثانية بها قدر هائل من الإرهاب والترويع، بينما الجملة الأولى بشرت ويسرت وحملت قدرا من التحفيز، ربما الابن يحقق النجاح في الحالتين، ولكنه في الثانية يكون مضطربا، متعثرا من الناحية النفسية.
"الكلمة" هي وسيلة التواصل بيننا وبين الآخرين، فإن لم نختارها بعناية، قد لا تصل الرسالة أو ربما تصل مشوهة مدمرة.
مثال آخر: أب يقول لابنه: "أنت لا تفعل ما هو مطلوب منك أبدا"، وهنا تخيل هذا القدر من "التعميم" الذي ترك الابن تائها لا يدري ماذا يجب عليه أن يفعل؟ وهل هو حقا سيئ في كل شيء؟ وإن كان كذلك فمن أين يبدأ؟ وإن بدأ هل هناك أمل أن يحدث ذلك فارقا؟
فكر في الكلمة جيدا قبل أن تنطقها، وكن أمينا في توصيل الرسالة لتصل على أفضل ما يكون.
وسنورد هنا بعض تلك الكلمات التي تهدم وفي المقابل الكلمات الأخرى التي تبني.
1. كلمات المقارنة وشروطها
المقارنة بالأخوة والزملاء والأقارب، المقارنة بين جيلين، مثلا: "أنت أسوأ أخوتك"، "انظر كيف حصل ابن خالتك على مجموع أعلى منك"، "كل الأطفال في الفصل يركزون إلا أنت"، "أنا في سنك كنت ...".
1) تكون بأسلوب يحمل روح التشخيص وليس الإهانة.
2) تكون عادلة وتراعي قدرات الطفل.
3) تحترم التنوع ولكنها تحث على الاجتهاد.
فعلى سبيل المثال، هذه الكلمات مقبولة: "أنت درجتك أقل من كثير من زملائك رغم أنك لست أقل منهم في القدرات العقلية، فهل السبب هو مشكلة في تنظيم الوقت أم مهارات الحفظ أم التكاسل وعدم الاجتهاد؟".
أو: "أخوتك يحافظون على نظافة المنزل، ولكنك أنت الوحيد الذي لا تحرص على النظافة. أنت تتميز بصفات جميلة أخرى في البيت، ولكن هذه الصفات الجميلة لن تعفيك من الالتزام بالنظافة مثل باقي أخوتك. أريد أن أعرف لماذا أنت غير ملتزم بنظافة البيت مثلهم".
أو: "أنا أعلم أنك لست ماهرا في الرياضيات مثل باقي أخوتك، وذلك لأن الله وهبك التميز في مساحات أخرى، ولكن هذا لا يعفيك من الاجتهاد في الرياضيات والحصول على درجة جيدة. لن أطلب منك درجات مثل الآخرين، ولكني سأحاسبك على الاجتهاد".
اقرأ أيضا: كيف تكون أباً ديكتاتوريا جميلا؟
2. كلمات الرفض
رفض الطباع أو القدرات أو الميول والتي تعطي الانطباع برفض الطفل نفسه، "أنا لا أطيق أن أنظر إليك"، "كلما تحدثت معك أشعر بخيبة الأمل"، "لم أكن أتمنى طفلا في غبائك".
نقول دائما أن علاقة الأم أو الأب بالأبناء هي العلاقة الوحيدة تقريبا القائمة على الحب غير المشروط، حيث يجب أن يشعر الأبناء أن آباءهم يحبونهم بلا شروط. هذا التقبل يغذي إحساس الطفل بالأمان، والذي ينعكس على بنائه النفسي على مدار حياته.
نقول أيضا إن الرفض يكون للسلوك الخطأ وليس للطفل. لا مانع من استخدام كلمات الحزن، الألم، الغضب، ولكن ليس كلمات الرفض.
على سبيل المثال: "أنا غضبت بشدة من هذا التصرف، وغضبي على قدر حبي"، "أنا مضطرة أن أعاقبك لأنك فعلت هذا، صعب عليً أن أؤلم شخصاً أحبه، ولكن لا بد من الألم كي تتعلم"، "اذهب الآن، أنا حزينة وغاضبة".
3. كلمات الاعتمادية
مثل: "أتركها وسأقوم أنا بالأمر"، "سأبحث لك عن حل"، "سأفعل هذا بدلا منك". اعتماد الابن على أمه أو أبيه يحدث غالبا في حالتين: إما بسبب ابتزاز الابن أو بسبب المبالغة في أبوية الأب والأم.
الابن قد يبتز أباه أو أمه مدعيا أن المهمة صعبة أو أنهم لا يساعدونه بالقدر الكافي أو أنهم مقصرون في بعض الجوانب ويجب أن يعوضوا هذا التقصير. ومن ناحية أخرى قد تكون المشكلة في الأبوين، فهم يفضلون أن يقوموا بالمهمة بأنفسهم بدافع الخوف أو عدم الثقة أو الرغبة في الكمال.
وهنا يجب أن تركز الكلمات على الرفض الواضح للابتزاز، بشكل ليس فيه مواربة، (ولا نقصد هنا التجهم أو العبوس، فربما هذه الكلمات تصدر بابتسامة ودودة، فالابتسام والحزم لا يتعارضان، بل على العكس فإنهما يجب أن يتجاورا)، من الكلمات المقبولة: "هذه هي مهمتك أنت، ويجب أن تنجح بنفسك"، "أنا وظيفتي – كأم – أن أشير لك إلى بداية الطريق وأقدم لك بعض وسائل المساعدة، والباقي دورك وأنا لن أقوم به"، "أنا متأكدة أنك تستطيع... خذ وقتك... جرب طريقة أخرى... المهم أن تنجح".
4. كلمات اليأس واللعن
نقصد هنا كلمات اليأس عموما، وليست الشخصية فقط. اليأس من السعادة أو التغيير أو التطوير على المستوى الشخصي أو العام.
كلمات مرفوضة مثل: "لا فائدة منك"، "عندما يفهم الحمار ستفهم أنت"، "ستلاحقك لعنة الله أينما ذهبت بسبب ذنوبك"، "الناس لا رجاء منهم، ولا أمل في التغيير".
اليأس واللعن يفقدان من ثقة الإنسان في نفسه وقدراته ومستقبله. الكلمات الأفضل هي التي تعترف بصعوبة الواقع، وتحمل الأمل في تطوير ولو بشكل جزئي أو تدريجي. مقبول أن نقول: "افشل ألف مرة وسأتحمل هذا، طالما أنك ما زلت تحاول"، "الفشل سيحدث حتما، فتعلم منه"، "اعتذر لله دائما، والجأ إليه، ولا تستغنِ عنه"، "فقط اعرف لماذا فشلت.. ربما الأسلوب خطأ أو الهدف خطأ".
اقرأ أيضا:
"أنا أب عصبي".. "أنا أم عصبية"
لا تقل لإبنك الـ"يضربك اضربه"
"تعليم المقهورين"... شرط الحرية والثورة