يعود موضوع ترشح الرئيس التركي السابق عبد الله غول، للانتخابات البرلمانية المقبلة عن حزب "العدالة والتنمية"، إلى الواجهة مرة أخرى، وذلك في إطار الحشد الذي يقوم به الحزب لقواه، في ظل التحدي الكبير الذي وضعه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، للحزب بالحصول على 400 مقعد انتخابي من أصل 500، بعد أن انضم رئيس الاستخبارات السابق حاقان فيدان، وهو كاتم أسرار الدولة وأحد أقوى رجالها، إلى حملة "العدالة والتنمية"، عبر تقديم استقالته من منصبه وإعلان ترشحه إلى البرلمان عن دائرة العاصمة أنقرة.
وعلمت "العربي الجديد" من مصدر في حزب "العدالة والتنمية"، رفض الكشف عن اسمه، بأن قيادات بارزة من الحزب كانت قد طالبت أردوغان بإقناع غول بالعودة للحياة السياسية، ليضيف المزيد من القوة على الحملة الانتخابية، لكن أردوغان فضّل عدم التدخل بالأمر.
وبحسب المصدر، بررت تلك القيادات رغبتها بعودة غول، بأنها "عودة رجل حكيم سيساهم في بناء صلة بين الماضي والمستقبل"، وأيضاً بأن الرئيس السابق يمكن أن يؤدي دوراً هاماً في عملية السلام مع حزب "العمال الكردستاني"، كما يستطيع المساهمة في رأب أي صدع قد يظهر بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، في إدارة شؤون البلاد.
وأوضح المصدر أن غول في حال عودته، لن يطالب بأي مقعد وزاري ضمن الحكومة أو أي مناصب قيادية في الحزب، لكنه سيشكّل صمام أمان ضمن الحزب في المرحلة التي تمر بها البلاد، ليكون بديلاً محتملاً في حال حصول أي خلافات.
اقرأ أيضاً: تحولات تركية: الإسلاميون والجيش والأكراد في خندق واحد
ويثير احتمال عودة غول للسياسة، الكثير من التكهنات في الشارع السياسي التركي، حول وجود جناحين في حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، يقوم كل منهما بمحاولة دعم صفوفه قبل الانتخابات البرلمانية، الأول يرأسه أردوغان، والثاني بزعامة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، خصوصاً بعد الخلاف الواضح في الرأي بين كلا الرجلين، حول تخلّي حاقان فيدان عن منصبه في سبيل الترشح للبرلمان.
ففي الوقت الذي رحب فيه داود أوغلو باستقالة فيدان الذي دعمه وعمل معه لسنوات في وزارة الخارجية، عبّر أردوغان عن استيائه أو "انكساره" من القرار الذي بدا أنه تم على الرغم من معارضة الأخير، وذلك في ظل تقارير تشير إلى اجتماعات حصلت بين أردوغان وفيدان، في المدينة المنورة أخيراً، بينما كان الرجلان يقومان بأداء العمرة بشكل منفصل.
وأعرب داود أوغلو، عن ترحيبه بعودة غول لممارسة السياسة داخل "العدالة والتنمية"، قائلاً: "الرئيس السابق من طليعة مؤسسي الحزب، وأول رئيس وزراء لأول حكومة من الحزب، وأول رئيس جمهورية يخرج من حزبنا، لذلك فإن عودته لتولي أي مهمة داخل العدالة والتنمية، أو ممارسته السياسة بداخله، تطور يبعث على الفخر ولا شيء غير ذلك".
جاء ذلك في تصريحات صحفية أدلى بها داود أوغلو، من مدينة نيويورك الأميركية التي يزورها حالياً، حيث أكد أن "أبواب العدالة والتنمية مفتوحة على مصراعيها باستمرار، والحزب يرحب بالجميع"، مستنكراً ما يُثار من قبل بعض الجهات حول رفض الحزب عودة غول من جديد، مذكّراً بأن غول موجود بالفعل داخل الحزب "ومن العبث أن يتردد مثل هذا الكلام".
تأتي هذه التصريحات بعد ساعات من تأكيد أردوغان ترحيبه بعودة غول، قائلاً: "أعتقد أن مثل هذا القرار سيكون موفقاً وملائماً"، مشدداً على أن قرار العودة هو قرار خاص بغول.
ويؤكد عدد من المراقبين أن ترحيب أردوغان بعودة الرئيس السابق إلى الحياة السياسية، على عكس رأيه بدخول فيدان إلى المجال السياسي، جاء من منطلق أن يشكّل غول المزيد من الضغوط على داود أوغلو، بعد نجاح الأخير في ممارسة صلاحيته كرئيس للوزراء من دون العودة إلى رئاسة الجمهورية، كما كان يأمل أردوغان، الذي انتقد في وقت سابق آلية "التشاور" بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، قائلاً إنها "لا تعمل بالشكل الكافي"، مما قد يجعل عودة غول، لتقوية النظام والحزب اللذين أسسهما كل من أردوغان وغول ونائب رئيس الوزراء الحالي بولنت أرينج.
لكن من جهة أخرى، فإن ترحيب أردوغان كان حذراً، إذ إن داود أوغلو إضافة إلى رئيس المحكمة الدستورية الحالي زوهدو أرسلان، هما من الرجال الذين جلبهم غول إلى الحياة العامة، وبالتالي فإن عودة الأخير قد لا تعني تقوية جناح أردوغان بقدر ما قد تعنيه من دفعة لداود أوغلو، خصوصاً في ظل تصريحات غول الحذرة فيما يخص التحوّل نحو النظام الرئاسي، إذ لا يساند الرئيس السابق نظاماً رئاسياً بالطريقة التي يدفع نحوها أردوغان، بفواصل غير واضحة بين السلطات وبنظام محاسبة ضعيف، بل يُفضّل نظاماً رئاسياً على الطريقة الأميركية.