05 نوفمبر 2024
"غرين بوك".. إمتاع من دون الأوسكار
لقد اعتُبر فيلم "غرين بوك" أو "دليل غرين" للمخرج بيتر فاريلي، الفائز الأكبر بجوائز أوسكار أخيراً (أفضل فيلم، أفضل سيناريو، أفضل دور مساعد للممثل ماهرشالا علي)، هو الذي سبق أن حصد ثلاث جوائز غولدن غلوب عن فئاتٍ مماثلة. أخذ الفيلم عنوانه من دليلٍ وضعه بوسطجي أسود اسمه فيكتور غرين، وبقي يصدر كل عام ما بين 1936 و1966، وفيه قوائم بأسماء الفنادق والمطاعم والحانات ومحطات الوقود التي كان يُسمح بدخول السود إليها، في تلك الفترة، حيث بلغ التمييز العنصري ضد السود آنذاك ذروةً من ذرواته.
يحكي الفيلم قصّة جولةٍ طويلةٍ في السيّارة، تدوم ثمانية أسابيع، وتجمع بين رجل أبيض، هو طوني الأميركي من أصول إيطالية، كان يعمل في البارات، يوظّفه دون شيرلي، عازف البيانو الأسود الشهير الذي يقوم بجولةٍ فنّيةٍ على مدن أميركية جنوبية لعزف الموسيقى الكلاسيكية أمام المجتمع الراقي، ليكون سائقه وحاميه. الشخصيتان طبعا على تناقضٍ كلّي، فالأوّل ينتمي لطبقةٍ كادحةٍ ذات أفكار عنصرية مسبقة، وإن كانت تعاني في تحصيل رزقها، والثاني ذو شخصية فنّية، مرفّهة ومثقّفة، تحتقر في الأوّل سلوكه البدائي الغليظ، وعباراته البذيئة النابية. وكما يجري في ذلك النوع من الأفلام/ الرحلة، ستتقارب الشخصيتان اللتان ستتعرّفان إلى عالم كل منهما شيئا فشيئا، ما يؤدي إلى تغيير مواقفهما. سوف يعجب طوني بموهبة دون شيرلي، ويجده عبقريا، في حين سيرى دون شيرلي أنه هو أيضا صاحب أفكار مسبقة لأن سائقه، إنسانيا، رجلٌ طيبٌ وجدير بالثقة، وليس بتلك السطحية والغلاظة البادي عليهما.
إذن، لا مفاجآت في هذا الفيلم الذي يبدو مفصّلا بشكل "نظيف" يعجب هوليود، فمسار الشخصيات سيختلف حين تلتقي، و"الدرس" الذي ينبغي تعلّمه ضد العنصرية ليس قاسيا، بل هو كوميدي خفيفٌ لطيف، وحتى أسلوب المعالجة، أو طريقة كتابة السيناريو (بالتعاون مع نجل طوني الحقيقي، بما أن القصة مأخوذة عن علاقة صداقة حقيقية جمعت الشخصين) بسيطة كلاسيكية وغير معقدة، مع مفاجأة صغيرة: هو الأسود الميسور من يحاول "تحضير" الأبيض الفقير، وتعليمه آداب السلوك، ومساعدته في كتابة رسائل "عاطفية" إلى زوجته، في حين يعرّف الأبيضُ الأسود بموسيقى شعبه، محاولا تخليصَه من "تهذيبه" وحسن سلوكه المبالغ به. ومع ذلك، تسيطر المشاعر الطيّبة والجمل/ الكليشيه/ العبر، من نوع: "الكرامة هي دوما الأهم"، أو "يحتاج تغيير قلوب الناس إلى شجاعة"، إلخ، أو رد فعل طوني المتضامن، حين سيكتشف أن رفيقه الأسود مثليّ ، مع أننا هنا في بداية الستينيات في الولايات المتحدة الأميركية، أي في أكثر الفترات عنصريةً عنفا ونزاعا، على عكس ما يرينا إياه السيناريو، حيث يتم النفاذ من أسوأ المواقف وحلّ أكبر المعضلات، بجملةٍ واحدةٍ أو بحلّ بسيط.
ولا بدّ، إثر مشاهدة هذا الفيلم الفائز، من طرح سؤال الجوائز السينمائية التي باتت تكافئ أفلاما لا تمتلك مواصفات التحف الفنّية، أو الأفلام المهمّة الكبيرة التي سبق أن أتحفتنا بها السينما العالمية، والسبب ربما، أو هو حتما، غياب تلك الأفلام أصلا عن المشهد العالميّ، والاكتفاء بأفلامٍ ذات موضوعاتٍ إنسانية، أو ذات "نياتٍ حسنة"، كما هي حال أفلامٍ كوفئت في السنوات المنصرمة الأخيرة.
لن يُشبع "غرين بوك" شهيّة محبّي الأفلام العظيمة المهمّة، أو روّاد الفنّ السابع من مثقّفي الذوق والعين. لكنه يبقى، على الرغم من ذلك، فيلماً ممتعاً مع وجود ممثّليْن قديريْن، حملا الفيلم كلّه تقريباً، هما فيغو مرتينسون (طوني)، وماهرشالا علي (دون شيرلي حائز الأوسكار)، هذا فضلاً عن مناظر الجنوب الأميركي التي سنراها خلال الرحلة، وموسيقى تلك الفترة التي سنسمعها في بعض الأماكن، هنا وهناك.
إذن، لا مفاجآت في هذا الفيلم الذي يبدو مفصّلا بشكل "نظيف" يعجب هوليود، فمسار الشخصيات سيختلف حين تلتقي، و"الدرس" الذي ينبغي تعلّمه ضد العنصرية ليس قاسيا، بل هو كوميدي خفيفٌ لطيف، وحتى أسلوب المعالجة، أو طريقة كتابة السيناريو (بالتعاون مع نجل طوني الحقيقي، بما أن القصة مأخوذة عن علاقة صداقة حقيقية جمعت الشخصين) بسيطة كلاسيكية وغير معقدة، مع مفاجأة صغيرة: هو الأسود الميسور من يحاول "تحضير" الأبيض الفقير، وتعليمه آداب السلوك، ومساعدته في كتابة رسائل "عاطفية" إلى زوجته، في حين يعرّف الأبيضُ الأسود بموسيقى شعبه، محاولا تخليصَه من "تهذيبه" وحسن سلوكه المبالغ به. ومع ذلك، تسيطر المشاعر الطيّبة والجمل/ الكليشيه/ العبر، من نوع: "الكرامة هي دوما الأهم"، أو "يحتاج تغيير قلوب الناس إلى شجاعة"، إلخ، أو رد فعل طوني المتضامن، حين سيكتشف أن رفيقه الأسود مثليّ ، مع أننا هنا في بداية الستينيات في الولايات المتحدة الأميركية، أي في أكثر الفترات عنصريةً عنفا ونزاعا، على عكس ما يرينا إياه السيناريو، حيث يتم النفاذ من أسوأ المواقف وحلّ أكبر المعضلات، بجملةٍ واحدةٍ أو بحلّ بسيط.
ولا بدّ، إثر مشاهدة هذا الفيلم الفائز، من طرح سؤال الجوائز السينمائية التي باتت تكافئ أفلاما لا تمتلك مواصفات التحف الفنّية، أو الأفلام المهمّة الكبيرة التي سبق أن أتحفتنا بها السينما العالمية، والسبب ربما، أو هو حتما، غياب تلك الأفلام أصلا عن المشهد العالميّ، والاكتفاء بأفلامٍ ذات موضوعاتٍ إنسانية، أو ذات "نياتٍ حسنة"، كما هي حال أفلامٍ كوفئت في السنوات المنصرمة الأخيرة.
لن يُشبع "غرين بوك" شهيّة محبّي الأفلام العظيمة المهمّة، أو روّاد الفنّ السابع من مثقّفي الذوق والعين. لكنه يبقى، على الرغم من ذلك، فيلماً ممتعاً مع وجود ممثّليْن قديريْن، حملا الفيلم كلّه تقريباً، هما فيغو مرتينسون (طوني)، وماهرشالا علي (دون شيرلي حائز الأوسكار)، هذا فضلاً عن مناظر الجنوب الأميركي التي سنراها خلال الرحلة، وموسيقى تلك الفترة التي سنسمعها في بعض الأماكن، هنا وهناك.