كثر هم السوريّون الذين يذكرون الزيّ البنيّ الغامق الذي كانوا يرتدونه في المرحلة الابتدائية من الدراسة، مع الوشاح البرتقالي والسيدارة وشعار طلائع البعث، وكذلك البدلة العسكرية في المرحلتين الإعدادية والثانوية والجوارب السود والأحذية العسكرية. ويذكرون أيضاً أن المخالف منهم كان يتعرّض إلى عقوبة الزحف في باحة المدرسة أو إلى "فلقة".
مرّ أكثر من عشرين عاماً، وما زالت تلك التفاصيل عالقة في ذاكرة السوريين من جيل الثمانينيات والتسعينيات الذين تابعوا تعليمهم في المدارس الحكومية. خلال أيام حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، كان التلاميذ يصطفون في طوابير متراصة كل صباح قبل الصعود إلى صفوفهم، ويرددون شعارات تمجّد حزب البعث الحاكم وقائده "باني سورية الحديثة".
في البداية، كان الأطفال ينضمون إلى منظمة طلائع البعث، لينتقلوا خلال المرحلة الثانوية إلى شبيبة الثورة، ومن ثم الاتحاد الوطني لطلبة سورية في الجامعة، مع إغراءات لزيادة العلامات. خلال هذه المراحل، يتعلم التلاميذ والطلاب أن العلاقة بالوطن على صلة بحب القائد والانتماء للبعث والإخلاص له.
تخبر رويدة حنا أن "في تلك الفترة، كنا نتعلم أن القائد هو حامي الحمى وراعي الطفولة والشباب. لولاه، كانت الكلاب لتنهشنا". تضيف أن "تسويق أفكار النظام كان منهجاً معتمداً، والأهم أن القائد أبديّ. من دونه، كان ليعم الخراب في البلاد". تتابع: "بعد وفاته، لم تتغير المصطلحات في الكتب المدرسية بالسرعة المطلوبة، علماً أنها كانت مليئة بأقواله". ما زالت تذكر صفعة المدرّسة على وجهها، حين نسيت إرفاق اسم الرئيس بصفة "الخالد". أما الحجة الدائمة، فكانت "أننا على أبواب حرب مع إسرائيل، ولا بدّ من تكريس مبدأ أن الأطفال هم جنود سورية الأسد، ما يتطلب تربيتهم بخشونة وصرامة، مع تعليمهم مناهج عسكرية تتخللها نشاطات تطبيقية حول كيفية استخدام البنادق وحفظ أسماء الأسلحة وغيرهما".
بعد استلام الرئيس الحالي بشار الأسد الحكم في عام 2000، أدخل بعض الإصلاحات على المناهج، بهدف إضفاء المدنيّة عليها. مع ذلك، لم يتغير المشهد كثيراً. فصور العائلة الحاكمة ظلّت ترفع في صدر غرف صفوف التلاميذ ودوائر الدولة والساحات العامة على امتداد المحافظات.
في ذلك الوقت، عمد بشار الأسد إلى تغيير لون الزيّ المدرسيّ، وإلى إلغاء مادة الفتوة وما يتبعها من نشاطات عسكرية واستبدالها بتعليم اللغة الفرنسية التي كانت اختيارية، بالإضافة إلى ضمّ المعلوماتية إلى المنهاج، وإلغاء الضرب كوسيلة للعقاب.
ويقول الصحافي سامر البزراوي إن "نظام التعليم في سورية يعاني من مشاكل كثيرة، حتى قبل الثورة. منها أدلجة التعليم في البلاد، علماً أن النظام يعمد إلى تجهيل تلاميذه". ويلفت إلى "مشكلة أخرى تتمثل في التفاوت في المستوى التعليمي بين المناطق. وعادة ما تكون الأولوية للمدارس في المدن على حساب الأرياف التي تعاني من نقص في الكادر التعليمي وغيره".
ويتحدّث البزراوي عن "غياب التطبيق العملي، وهو ما أدى إلى خلق فجوة بين ما يدرسه التلميذ وبين سوق العمل. وبعد الثورة، تأزّم الوضع التعليمي بعد قصف المدارس ونزوح العائلات إليها وهجرة المدرّسين وقلق التلاميذ خشية عدم الالتحاق بالمدارس مجدداً". يضيف أن "الأمر المفاجئ كان إدخال اللغة الروسية إلى منهاج صف السابع إعدادي والعاشر، ما جعل المنهاج السوري يفقد هويته، بالإضافة إلى زيادة عزلة التلميذ السوري عن محيطه".
وما زالت مدارس النظام تتابع العملية التعليمية والامتحانات، على الرغم من الحرب والقذائف وعدم الاستقرار الأمني في غالبية المناطق.
نقاط مشتركة
يتحدّث المدرّس سليمان العساف عن نقاط مشتركة بين منهاج الأسد وتنظيم داعش، موضحاً أن النظام عمد سابقاً إلى إعداد جيل حزبي يتبعه ويردد شعاراته. يضيف أنه لطالما أدرك السوريون أن من لم يكن حزبياً، لن يحظى بوظيفة أو منصب في الدولة، تماماً كما يفعل التنظيم اليوم الذي يحاول تطبيق الاستراتيجية نفسها. ومن لا يبايعه، لا يكون مرغوباً فيه على أرض الخلافة.
اقرأ أيضاً:منزل هدى وحيّان يستقبل تلاميذ الحيّ