في ظل التدهور المستمر في قطاع التعليم في سورية، وانقطاع مزيد من التلاميذ عن المدارس، تبرز مبادرات للتعليم غير الرسمي وغير الربحي، ترعاها جمعيات أهلية أو ناشطون أو مدرّسون أو أمهات. وقد باتت هذه المبادرات بمثابة أمل للأجيال الجديدة.
تنتشر معظم هذه المدارس غير الرسمية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث تنشط منظمات المجتمع المدني. وتقرر إدارة كل منها نظامها الخاص والمناهج المتبعة والدوام، وفق إمكانياتها والظروف التي تعمل ضمنها.
مدارس منظمة "بسمة" تعدّ نموذجاً للمدارس غير الرسمية جنوب سورية، وترعى عشر مدارس في كل من درعا والقنيطرة للمرحلة الابتدائية، ضمن برنامجها التعليمي التعويضي. تفتح المنظمة مدارسها في 20 سبتمبر/ أيلول، ويستوعب كل مركز منها نحو 45 طفلاً.
يقول المدير الإداري للمنظمة دجانة البردان إن "أكثر التلاميذ الملتحقين بمدارس بسمة هم من أبناء النازحين من مناطق أخرى، وقد انقطع كثيرون عن الدراسة قبل سنوات. كذلك فإن بعضهم يلتحق بالمدرسة في منتصف العام الدراسي أو في نهايته". يضيف أن بعض الذين يفترض أن يكونوا في الصف الخامس أو السادس ابتدائي لا يعرفون كتابة أسمائهم حتى، ويتولى عدد من المتخصصين التربويين في المدرسة تقييمهم وإلحاقهم بالصفوف المناسبة.
يبدأ دوام هذه المدارس عند الساعة الثالثة من بعد الظهر وحتى السادسة مساءً، ويجد عديد من التلاميذ صعوبة في الوصول اليومي إليها بسبب الوضع الأمني. يقول البردان: "جعلنا الدوام مسائياً لأن الطائرات تقصف في ساعات الصباح عادة، ولا يلتزم التلاميذ بالحضور يومياً بسبب ظروف الحرب، علماً أن معظمهم يعيلون أهلهم في الصباح". يضيف أن عمالة لأطفال تنتشر بنسب كبيرة وتزداد، لافتاً إلى أن "أطفالاً عديدين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، يعملون ويدرسون في الوقت نفسه".
صعوبات كثيرة يواجهها القائمون على هذا النوع من المدارس. يقول البردان "نؤمن الكتب المدرسية بصعوبة بالغة. في بعض الأحيان، نبحث عنها بين الكتب التالفة في المدارس الذي تعرّضت للقصف. نحتاج إلى دعم مالي وأهلي كبير لمحاربة الأمية المتفشية بين الأطفال".
وضعت "بسمة" شأنها شأن عديد من المدارس غير الرسمية في مناطق المعارضة، برنامجاً خاصاً بالدعم النفسي للأطفال في مدارسها، بعدما لاحظت أن التلاميذ يعانون كثيراً، الأمر الذي يعيق تعلمهم. ويوضح البردان أن "جميع الأطفال في سورية بحاجة إلى دعم نفسي قبل البدء بالتعليم، خصوصاً وأن معظمهم تعرضوا إلى صدمات نفسية. نعمل على مساعدتهم على التكيّف والتأقلم مع الأوضاع الراهنة، وإعادة الثقة إليهم. لذلك، نخطط أيضاً لافتتاح مراكز دعم نفسي وتعليمي في مخيمات اللجوء، في حال توفرت الإمكانيات".
من جهة أخرى، يفتتح عدد من المتطوعين أو المدرسين أو الخريجين أو الأمهات بيوتهم لأطفال الحي أو الأقارب، الذين لا يذهبون إلى المدرسة. هدى وحيان، مدرّسان من حلب، يقدمان دروساً منتظمة لأبناء حيّهما في منزلهما. تقول هدى: "أكثر أطفال حيّنا لا يذهبون إلى المدرسة، بعضهم يعملون وآخرون عزفوا عن الذهاب إليها بسبب الخطر، خصوصاً بعد استهداف عدد من المدارس بالبراميل المتفجرة". تضيف: "ندرّس مجموعتين من التلاميذ. الأولى بين ست وعشر سنوات، ويتعلمون القراءة والكتابة والرياضيات والعلوم. عددهم اليوم 21 طفلاً. أما شقيقي، فيدرّس الأكبر سناً".
صار منزل هدى وحيان أشبه بمدرسة الحي. يقول حيان إن "عدد التلاميذ يزداد، لكننا لا نملك القدرة على استقبال المزيد. يريد هؤلاء التلاميذ متابعة تعليمهم لكنهم لا يستطيعون. جاء إلينا طفل وسألنا إن كان يستطيع الحضور من دون دفتر أو قلم. وحين وافقنا، جعلنا نشعر بأننا وهبناه كنزاً". يشير حيان إلى وجود معوّقات كثيرة، لافتاً إلى "أننا مجبرون على تدريس أطفال من مختلف الأعمار في صف واحد. وبطبيعة الحال، ثمّة تفاوت كبير في المستوى التعليمي بينهم. نحاول قدر الإمكان إجراء امتحانات وتقييم، خصوصاً وأن التلاميذ يشعرون بأنه لا جدوى من التعليم". ويلفت إلى أن "هذه الفكرة يعزّزها بعض الآباء الذين يدفعون بهم إلى العمل وأحياناً إلى حمل السلاح، من دون أن ننسى الصدمات النفسية التي يعاني منها بعضهم حين يفقدون أحد أفراد عائلتهم".
لا يتقاضى حيان وهدى أي أجر، وهما يعملان كذلك على تأمين القرطاسية والكتب. يقول حيان: "يكفيني أن أراهم يتعلمون، علّني أؤمن بأن ما نعيشه لن يستمر إلى الأبد".
اقرأ أيضاً: الحرب تدفع أطفال سورية إلى العمل بدلاً من الدراسة