في كتابه "مختصر تاريخ الجنس البشري"، يركّز أستاذ التاريخ البريطاني مايكل كوك (1940)، على علاقة الحضارات الإنسانية بالطبيعة والمناخ والجغرافيا، راسماً فصول كتابه بحيث تجيب على سؤال: لماذا حدث التاريخ الإنساني بهذا الشكل؟ وكيف؟ وإلى أين يذهب الجنس البشري في ظل القراءة المناخية للعالم المعاصر، فقد ظل الإنسان خاضعاً في تطوّره الحضاري إلى عوامل البيئة والمناخ وفقاً للمؤلف.
الكتاب الصادرة ترجمته حديثاً عن دار "عالم الأدب" في القاهرة بتوقيع هشام عناية الله، يبدأ من منطقة الحضارات القديمة والتي يُطلق عليها اليوم "الشرق الأوسط"، فمن هنا بدأ كل شيء، وفي نفس المنطقة تدور اليوم أكثر أحداث العالم توتراً.
وإن كان أستاذ التاريخ في "جامعة برينستون"، يحاول أن ينقل الشكل العام للتاريخ الإنساني على مدى العشرة آلاف سنة الماضية، إلا أنه يقرّ بأنه لا يمكن لأي كتاب أو مؤلف أن يدعي بمعرفة واسعة بتاريخ البشرية، أو أن يكون قادراً على استكشاف جميع الأسئلة المتعلقة بالوجود الإنساني والإجابة عليها. لذا، فإن هذا الكتاب بعبارات المؤلف "انتقائي بشكل متعمد وغير مكتمل" ويعكس الشكل الأوسع للتاريخ الإنساني إلى جانب سلسلة من المناقشات الأضيق للمواضيع التي تقع في دائرة الاهتمام الشخصي للمؤلف.
يبدأ الكتاب الذي صدر أول مرة عام 2003، مع العصر الحجري القديم، ثم يمر بثورة العصر الحجري الحديث وظهور الحضارات المبكرة، قبل أن يذهب في جولة في القارات. كما يحتوي كل فصل على مسح أولي وعام للموضوع، تتبعه أقسام مختلفة حول مواضيع تفصيلية أكثر، من ذلك فصول حول "الفخار من العصر الحجري الحديث"، و"الكتابة"، و"الديمقراطية الأثينية"، و"برونز شانغ الصينية"، و"التقويم الإسلامي" و"طقوس الزواج بين السكان الأصليين في أستراليا" وغيرها.
وبينما يقوم كوك بتغطية كبيرة للموضوعات الرئيسية لتاريخ العالم، يعتمد على أسلوب سردي يجعل من روايته مليئة بالكثير من النزعة الدرامية وهو ينقل المعلومات، وهو ما جعل المؤلف يعتبر عمله كتاباً "أفقي المعرفة" حيث أن هدفه يقتصر على أن يوفر رؤية واسعة بانورامية للتاريخ الإنساني.
من جهة أخرى، لا يتطرّق الكتاب إلى ما لا يمكن قياسه قياساً مادياً، فلم يتناول الأفكار والمعتقدات بشكل عميق، بل فضّل أن يمر عليها بشكل سريع، وأن يجعل كتابه مكرّساً للجانب المادي من الحضارات الإنسانية على مر العصور وتداعيات ذلك على الحضارات الناشئة وكيف تتغير أنماطها بتغيّر البيئة الحاضنة لها، مثلما يفعل حين يقدم صورة الزراعة في الحضارات الأفريقية وصورتها في أوراسيا مثلاً.
كما لم يلتزم الكاتب، الذي صدرت له عشرات الدراسات والكتب التفصيلية حول التاريخ الإسلامي في حقب مختلفة وبشكل خاص المرحلة المبكرة منه، بسردية محددة في قراءة محطات تاريخية، بقدر ما قدّم صورة عامة عن الأحداث الكبرى الرئيسية في التاريخ القديم والقرون الوسطى والعصر الحديث.