في العامين الأخيرين، أقيمت مبادرات كثيرة في بيروت حول التغيرات التي تحدث في أحياء العاصمة اللبنانية، والتنبيه إلى آثار القوانين الجديدة مثل قانون المستأجر، ولفت النظر إلى خطورة عمليات الإخلاء المستمرة للمستأجرين القدامى.
فهمُ بيروت ومشاكلها السكنية يحتاج إلى فهم خلفياتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكذلك القانونية، ولا يخفى ارتباط صعوبات السكن في بيروت والطفرات المعمارية الاعتباطية فيها، بعوامل تبدأ من مخلفات الحرب الأهلية الاقتصادية والطائفية وذلك الجدار اللامرئي الذي ما زال يعزل الأحياء بحسب الدين والطائفة.
تختلف تجربة العيش بين أحياء تعكس النسيج الاجتماعي والعمراني، وتجسّد كل منها مختلف التحديات التي تواجه السكان ذوي الدخل المحدود والمتوسط، ومن يعانون من الفقر، مثلما تختلف تجربة سكان بيروت من غرباء ولاجئين وأهل المدينة أنفسهم.
كل هذا يضاف إليه فكرة العيش في مدينة ذات مشهد عمراني لا يكف عن التحوّل، ثمّة منشآت جديدة في كل مكان وأبراج فارغة منذ سنوات، ثمة مستأجرون يخرجون من بيوتهم مع القانون الجديد بعد عقود عاشوا فيها في البيت نفسه، فأين يذهب هؤلاء وكيف يجربون العيش في حي جديد؟
من جهة أخرى، فإن المشهد السكني في أحياء بيروت يندرج ضمن عملية تنميط رأسمالي للحيّز المديني، حيث تتحوّل المساكن طويلة الأمد إلى إقامة مؤقتة وأماكن ترفيه، وذلك بالتوازي مع موجات من الإخلاء والهدم، وازدياد ظروف السكن غير الرسمي التي تدار خارج العقود القانونية.
في سياق محاولة فهم بيروت، تقيم مبادرة "نحنا التراث" سلسلة جولات في أحياء مختلفة، تنطلق عند السادسة من مساء بعد غدٍ الإثنين، بجولة "مرويّات عن السكن في أحياء الروم، مار مخايل، والبدوي".
التجوال سيكون في منطقة ما زال نسيجها العمراني متماسكًا الى حدٍ ما، إذ توجد فيها ورش بناءٍ قليلة. وبسبب قلة المساحات العامة فيها تاريخيًا، تتميّز بكثرة الفسحات المشتركة بين الأبنية التي أدت إلى خلق نوعٍ آخر من المساحات العامة، تتمثّل بالممرّات والشوارع الضيقة والأدراج العامة حيث يتمّ التلاقي والتسامر بين الأهالي.
تتابع الجولة التحوّل الاقتصادي في شارع مار مخايل والذي أدى الى ارتفاع أسعار الأراضي فيه كما في محيطه، وكان لهذا التحوّل تأثيرٌ بالغٌ على سكّان الشارع، والتلة والأحياء الخلفية (حيّ الروم) ومنطقة البدوي المجاورة.
يستكشف المشاركون التحوّل من خلال علاقته مع التحوّل في ملكية عددٍ كبيرٍ من الأراضي لصالح مستثمرين عقاريّين، ومساهمة ذلك في زيادة كلفة السكن وجذب السكان المؤقّتين من السيّاح وذوي الدخل المرتفع، في منطقةٍ قصَدها تاريخياً ذوو الدخل المحدود ممّن لم يستطيعوا تحمّل كلفة السكن في مناطق أخرى من بيروت.