05 نوفمبر 2024
"منذ زمن طويل وأنا أكذب"
هو أحياناً ابن أخ معمّر القذافي، أو بشار الأسد، وأحيانا أخرى ابن أخ رفيق الحريري ومتموّلين عرب آخرين. ولكي يصدّقه المجتمعُ الفرنسي المخمليُّ، حيث كان يصول ويجول، كان يكفيه أن يرتدي ثيابا فاخرة، ويحمل صحيفةً عربيةً يرميها على مكاتب السماسرة العقاريين إلى جانب قفازيه، حتى تنطلي كذبته على هؤلاء.. هذا بعضٌ مما رواه الشاب الثلاثيني الفرنسي، ألكسندر براندي، في روايةٍ حملت عنوان "منذ زمن طويل وأنا أكذب"، صدرت العام الفائت عن دار غراسيه في فرنسا، وحظيت بإعجاب النقاد إذ تم اعتبارها "رواية حقيقية تختلف عن سواها من كتب هذا النوع، بأسلوبها المتقن، وبنائها المحكم، وحبكتها المشوّقة"...
يخبرنا ألكسندر أنه طفل لعسكريّ كان يتنقّل باستمرار في مهام تُبعده فترات طويلة، وأن والده قرّر، ذات يوم، تركه وأمّه، فعاش الولد لا يعرف أباه تقريبا. في السادسة عشرة من عمره، توقف الصبيّ عن الذهاب إلى المدرسة، وكان يعيش مع والدته في منطقةٍ تتكاثر فيها القصور المسوّرة. ولأنه كان يحلم برؤية ما يختبئ خلف تلك الأسوار، قرر ذات يوم أن يحمل اسم عائلة شخصٍ ثري لبناني كان يسمع عنه، هو رفيق الحريري، فيتوجّه إلى مكاتب السمسرة العقارية المتخصّصة ببيع ممتلكات باهظة الأسعار، مدّعيا أنه ابن أخ الحريري...
بعد فترة، ملّ ألكسندر من تلك الزيارات التي كانت تنتهي بدعوته إلى أهم المطاعم بغية إقناعه بإتمام الصفقة، فقرر أن ينتقل إلى باريس، بهوية ثانية هذه المرة، فتحوّل من لبناني ثري إلى ليبي، اسمه عمر القذافي، وهو ابن أخ معمر القذافي، أو إلى سوري فاحش الثراء من عائلة الرئيس بشار الأسد. الطريف في الأمر أن ألكسندر لم يكن يجيد البتة التكلّم بالعربية، وهو لم يحتج يوما لأن يبرز أية أوراقٍ تثبت أنه من يدّعي، ذلك أن أحدا لم يخطر له التشكيك في ما يدّعيه، على الرغم من أنه كان يجد دوما عذرا، أو ذريعة، لعدم إتمام الصفقة. كان يكفي أمراء السوق العقارية أن يسمعوا اسمه المزعوم، ليصدّقوا سلفا أنه رديف براميل النفط والدولارات والأموال الطائلة، وليقوموا بالمستحيل بهدف استمالته واسترضائه. يعرضون عليه أن يشتري قصرا، يختا، سيارات رياضية باهظة، لوحات فنية، وما يبلغ أحيانا أكثر من مائة مليون دولار. في أقل من ستة أشهر، زار ألكسندر أكثر من مائة قصر وفيلّا، "إجمالا، كان السماسرة يحكون كثيرا وكنت أنا أصغي، إذ كان عليهم هم أن يغووني". يعطيهم مواعيد في صالون فندق "موريس" الفاخر، فيظنون تلقائيا أنه مقيم في الفندق، في حين كان يغادر هو في القطار ليلا إلى حيث يقيم في شقة صغيرة متواضعة. "لقد كنت أشبه بشركة إنتاج نفط في قلب باريس".
ومع ذلك، حصل لألكسندر ما لم يكن يتوقعه، حين كان يزور قصرا بقيمة 25 مليون يورو، حيث لاحظ وجود خزنةٍ ملأى بالمجوهرات، فقرّر العودة مرة ثانية، من أجل سرقتها. وبالفعل، عاد ألكسندر حاملا مسدسا غير حقيقي، وأسر صاحبة القصر وخادمها في غرفةٍ، ليهرب وفي جعبته حليّ بقيمة مليون يورو تقريبا. لقد تحوّل المحتال فجأة إلى سارق، وهذا ما لم يعجبه، إلى جانب شعوره بالتعب والملل من حياته تلك. "في هذه المغامرة، كل شيء وهم"، وهو ما جعله يسهّل على قوى الأمن إيجاده والقبض عليه. لقد حُكم على ألكسندر براندي بالسجن ثلاثة أعوام، خرج من بعدها وقد قرّر احتراف مهنة التمثيل...
"الرواية الحقيقية" هذه لا تستمد أهميتها من أحداثها فقط، أو من شخصية مؤلّفها، بل أيضا من موهبته الأدبية التي توازي موهبته شخصا اختار أن يخترع حياةً أخرى، بدل القبول بعيش حياته، فمثلما كان طفلا يلوّن ويرسم تفاصيل عالمه كما يشاء، معلنا نفسه ملكا عليه، قرّر، بعد أن كبر واكتشف فقر عالمه الحقيقي، وفقر حياته اجتماعيا وعائليا وعاطفيا، أن يستمر في إبداع عالمه، مستغلا جشع مجتمع الساعين وراء الثراء...
بعد فترة، ملّ ألكسندر من تلك الزيارات التي كانت تنتهي بدعوته إلى أهم المطاعم بغية إقناعه بإتمام الصفقة، فقرر أن ينتقل إلى باريس، بهوية ثانية هذه المرة، فتحوّل من لبناني ثري إلى ليبي، اسمه عمر القذافي، وهو ابن أخ معمر القذافي، أو إلى سوري فاحش الثراء من عائلة الرئيس بشار الأسد. الطريف في الأمر أن ألكسندر لم يكن يجيد البتة التكلّم بالعربية، وهو لم يحتج يوما لأن يبرز أية أوراقٍ تثبت أنه من يدّعي، ذلك أن أحدا لم يخطر له التشكيك في ما يدّعيه، على الرغم من أنه كان يجد دوما عذرا، أو ذريعة، لعدم إتمام الصفقة. كان يكفي أمراء السوق العقارية أن يسمعوا اسمه المزعوم، ليصدّقوا سلفا أنه رديف براميل النفط والدولارات والأموال الطائلة، وليقوموا بالمستحيل بهدف استمالته واسترضائه. يعرضون عليه أن يشتري قصرا، يختا، سيارات رياضية باهظة، لوحات فنية، وما يبلغ أحيانا أكثر من مائة مليون دولار. في أقل من ستة أشهر، زار ألكسندر أكثر من مائة قصر وفيلّا، "إجمالا، كان السماسرة يحكون كثيرا وكنت أنا أصغي، إذ كان عليهم هم أن يغووني". يعطيهم مواعيد في صالون فندق "موريس" الفاخر، فيظنون تلقائيا أنه مقيم في الفندق، في حين كان يغادر هو في القطار ليلا إلى حيث يقيم في شقة صغيرة متواضعة. "لقد كنت أشبه بشركة إنتاج نفط في قلب باريس".
ومع ذلك، حصل لألكسندر ما لم يكن يتوقعه، حين كان يزور قصرا بقيمة 25 مليون يورو، حيث لاحظ وجود خزنةٍ ملأى بالمجوهرات، فقرّر العودة مرة ثانية، من أجل سرقتها. وبالفعل، عاد ألكسندر حاملا مسدسا غير حقيقي، وأسر صاحبة القصر وخادمها في غرفةٍ، ليهرب وفي جعبته حليّ بقيمة مليون يورو تقريبا. لقد تحوّل المحتال فجأة إلى سارق، وهذا ما لم يعجبه، إلى جانب شعوره بالتعب والملل من حياته تلك. "في هذه المغامرة، كل شيء وهم"، وهو ما جعله يسهّل على قوى الأمن إيجاده والقبض عليه. لقد حُكم على ألكسندر براندي بالسجن ثلاثة أعوام، خرج من بعدها وقد قرّر احتراف مهنة التمثيل...
"الرواية الحقيقية" هذه لا تستمد أهميتها من أحداثها فقط، أو من شخصية مؤلّفها، بل أيضا من موهبته الأدبية التي توازي موهبته شخصا اختار أن يخترع حياةً أخرى، بدل القبول بعيش حياته، فمثلما كان طفلا يلوّن ويرسم تفاصيل عالمه كما يشاء، معلنا نفسه ملكا عليه، قرّر، بعد أن كبر واكتشف فقر عالمه الحقيقي، وفقر حياته اجتماعيا وعائليا وعاطفيا، أن يستمر في إبداع عالمه، مستغلا جشع مجتمع الساعين وراء الثراء...