كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، الجمعة، أنّ أحد المقرّبين من اللواء السابق في وزارة الداخلية السعودية، سعد الجبري، الذي تلاحقه السلطات السعودية، زاره مرّتين في بوسطن، وفي تورنتو، حيث يعيش في منفاه الإجباري، وحاول استدراجه للسفر إلى تركيا، التي يملك فيها عقارات أيضاً، "حتى يكون قريباً من عائلته".
وبينما لا تزال السلطات السعودية تطالب بتسليم الجبري، الذي يقيم في منفاه الإجباري بكندا حاليًّا، بتهم تتعلق بالفساد ونهب المال العام، نشرت الصحيفة تقريرًا موسعًا، تتبعت فيه الأموال الطائلة التي كانت تتدفق من تحت يد الجبري لخدمة المصالح السعودية الخارجية، تحت عنوان "مكافحة الإرهاب"، في الفترة التي كان فيها الأخير اليد اليمنى لولي العهد ووزير الداخلية السابق محمد بن نايف.
وفي حين تزعم السلطات السعودية أن الجبري وبعض مساعديه نهبوا نحو 11 مليار دولار من أموال الحكومة، وتطالب "الإنتربول" رسميًّا بتسليمهم، فإن ذلك قد لا يعدو كونه سببًا ظاهريًّا في المطاردة الحثيثة التي يقودها ولي العهد السعودي الحالي، محمد بن سلمان، لإعادة الجبري إلى السعودية، إلى حد استخدام ولديه، اللذين اعتقلا في مارس/آذار الماضي، كرهائن للضغط عليه، وفق الصحيفة.
وكشفت الصحيفة، نقلًا عن أحد الأشخاص المقرّبين من الجبري، أن الأخير طلب من بن سلمان، الذي سبق وتحدث معه شخصيًّا لإقناعه بالعودة، الإفراج عن ابنيه، إلا أنه أبلغه أن القضية ستحل في حال عودته.
The Saudi crown prince wants his fugitive spymaster back, claiming billions have gone missing. https://t.co/p24tE2Jjdm
— Bradley Hope (@bradleyhope) July 17, 2020
وتشير الصحيفة إلى أن الجبري، فضلًا عن كونه الذراع اليمنى لبن نايف، الذي اعتقله بن سلمان في مارس/ آذار الماضي أيضًا، قبل أن يفرج عنه مدفوعًا بالضغوط الخارجية، كان يملك علاقات واسعة مع أفراد العائلة الملكيّة السعودية، إضافة إلى علاقاته الجيّدة بالغرب، إذ كان حلقة الوصل الرئيسة بين الولايات المتحدة الأميركية والسلطات السعودية في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب؛ وتضاف إلى ذلك خصومة بن سلمان المباشرة معه بسبب موقفه من حرب اليمن، وكل هذه أسباب من شأنها أن تدفع بن سلمان إلى وضعه على رأس قائمة خصومه.
إلا أن ما تكشّف حتى الآن عن الأموال الطائلة التي كانت تحت تصرّف الجبري يسلّط الضوء، وفق تعبير الصحيفة، على نظام المحسوبيات والمقايضات والإثراء الذاتي الذي تقوم عليه المملكة، وكل ذلك باسم "مكافحة الإرهاب".
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين استخباراتيين حاليين وسابقين، أميركيين وأوروبيين، أن التحقيق الذي تجريه المملكة بخصوص الجبري يهدد بكشف أسرار حساسة للعمليات الأميركية السعودية ضد الإرهاب، ويبدون خشيتهم من أن أحد طرفي الخصومة، أو كليهما، قد يسرّب مثل هذه الأسرار لتعزيز موقفه.
وتفصّل الصحيفة، التي تتبعت تفاصيل تحقيقات السلطات السعودية، وتحققت منها عبر مسؤولين استخباريين غربيين، أن مليارات الدولارات كانت تنفقها المملكة على أغراض متنوعة، بما يتضمّن دفع أموال لمخبرين، ولقادة أجانب، مثل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، وشراء معدات شرطية، وهواتف آمنة، فضلًا عن الاستفادة من فرض رسوم مضاعفة على الحكومة نظير التعاقد مع شركات غربية كبرى، مثل (انترناشونال بيزنش ماشين كروب"، و"أوراكل كروب"، كما أن حسابات خارجية استخدمت لنقل الأموال عبر بنوك غربية كبرى.
وفي حين لا ينكر مؤيدو الجبري، الذين لم تحددهم الصحيفة على وجه الدقة، حركة الأموال تلك، فإنهم يؤكدون أن النظام كان يعمل كالمعتاد في المملكة، وكل ذلك كان يتم بمباركة بن نايف.
وتبيّن الصحيفة أن وكالات الاستخبارات الأميركية كانت على علم بشبكة التدفقات المالية تلك، التي تمتد من دعم قبائل في غرب العراق، إلى السودان، وإندونيسيا، وحتى الشركات الكبرى في الولايات المتحدة وأوروبا. كل ذلك كان يشرف عليه الجبري عبر صندوق خاص لوزارة الداخلية، جمع ما بين الإنفاق على جهود "مكافحة الإرهاب" والمكافآت الشخصية للعاملين في هذا الإطار. بالإضافة إلى ذلك، فإن الجبري كان يتربح أيضا من خلال شركات مرتبطة بعائلته، وكانت في شراكة مع موردي السلاح الأميركيين، كما أنها كانت تعقد الصفقات لصالح وزارة الداخلية السعودية، وكل ذلك ضمن برنامج "مكافحة الإرهاب".