الآن، وبعد نحو ثلاث سنوات من السجن، قضت محكمة جنايات القاهرة ببراءة آية حجازي ورفاقها من التهم الموجهة إليهم، ليستردّ الشباب الذين سجنوا ظلمًا حريتهم، لأنهم ساعدوا بعضًا من أطفال الشوارع، وليسعد آلاف المصريين الذين فُطِرت قلوبهم عندما سمعوا قصّة آية ورفاقها، التي لم تقتنع بها أجهزة الأمن أو النيابة.
معاقبة ثورة يناير
أحيت ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 الأمل في مستقبل أفضل في كثير من المصريين، كانت آية حجازي أحد هؤلاء الكثيرين، فعادت إلى مصر بعد أن أتمّت دراستها بالخارج وحصلت على الجنسية الأميركية وقرّرت المساعدة في تنمية المجتمع، فبدأت بجمع القمامة من الشوارع لكنها واجهت مصاعب مع العاملين في هذا المجال، فقرّرت اختيار مجال آخر، ورأت أن أحد أهم ما يمكن أن ينهض بالبلد هو مساعدة أطفال الشوارع، بحسب تصريحات صحافية لشقيقها باسل.
قرّرت آية وزوجها محمد، إطلاق مؤسّسة باسم "بلادي.. جزيرة للإنسانية" لإنقاذ أطفال الشوارع، واتبعت الإجراءات القانونية لتأسيس الجمعية، لكن تعنتًا رسميًا أجّل إشهار المؤسّسة، فقرّروا البدء في مساعدة أطفال الشوارع إلى أن تنتهي الإجراءات القانونية، وبدأوا بالفعل في تأهيل 20 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 12 و17 سنة.
بعد أقلّ من ثلاثة أشهر من بدء العمل، داهمت قوّات الشرطة مقرّ الجمعية، وأحالت آية وزوجها و6 آخرين إلى النيابة بتهم "الاتجار بالبشر واختطاف أطفال وهتك أعراضهم واستغلالهم جنسيًا وإجبارهم على الاشتراك في تظاهرات ذات طابع سياسي"، وذلك رغم نفي 16 طفلًا، من بين الـ 20 الذين ساعدتهم الجمعية، أن يكون قد تم استغلالهم.
إلقاء القبض على آية ورفاقها، تمّ في لحظة شديدة الحساسية؛ الشارع المصري منقسم بعد إطاحة الجيش بالرئيس الأسبق محمد مرسي، وهناك حالة من العداء لكل من ينتمي إلى ثورة 25 يناير بدعوى أنهم "خرّبوا البلد"، كما تَلقى نظرية "المؤامرة العالمية على مصر" صدى في الشارع، وهذا ما لعبت عليه أجهزة الأمن وبعض وسائل الإعلام التي جعلت من آية ورفاقها "عملاء لأميركا وتجّار البشر، وجزءا من مؤامرة 25 يناير".
لم يكن عقاب مؤسّسي "جمعية بلادي" هدفًا في حدّ ذاته، ولكن الهدف كان عقاب كل شخص انتمى إلى حلم 25 يناير، وكل مشروع خرج من رحم الثورة؛ كان الهدف عقاب الثورة.
بين السياسة والقضاء
أثارت قضية آية حجازي- التي تحمل الجنسية الأميركية- توترًا في العلاقات بين إدارتي السيسي والرئيس الأميركّي السابق أوباما، وظلّت القضية عالقة إلى أن تولّى دونالد ترامب مقاليد الحكم في أميركا، حيث توقع البعض أن تشهد انفراجة بسبب العلاقات بين السيسي وترامب.
قبل أسبوعين من الحكم، كان السيسي في زيارة إلى أميركا التقى خلالها ترامب، وقبيل لقاء الرجلين، ردّ مسؤول بالبيت الأبيض، في مؤتمر صحفي، على سؤال من أحد الصحافيين عما إذا كان ترامب سيفتح ملف آية حجازي مع السيسي، بقوله: "نحن ندرك جيًدا قضية آية حجازي، وأرفع المسؤولين في الإدارة يفهمون موقفها. حماية المواطنين الأميركيين في مصر وحول العالم هي إحدى أهم الأولويات للرئيس ترامب وإدارته. سوف نناقش هذا مع مصر بطريقة نعتقد أنها سوف تزيد من فرص حل قضيتها بطريقة مرضية".
عقب الحكم ببراءة آية حجازي ورفاقها، رأى البعض أن الحكم مسيّس وأنه أتى كمجاملة من الرئيس السيسي لـ ترامب، وهو ما أعاد الحديث حول العلاقة المتداخلة بين القضاء والسياسة في مصر مرّة أخرى إلى الواجهة، ومع هذا يبقى احتمال أن يكون حكم البراءة غير مسيّس قائمًا، لأنه لا توجد قضية من الأساس بحسب محامي المتّهمين.