06 نوفمبر 2024
أطلقي سراح زوجك
يبدو أننا كلنا مثاليون وطيبون وصادقون وملتزمون، حين لا تُمسّ حياتنا الشخصية. وعلى ذلك، لا عجب أن تعثر من خلال تطبيق "واتس آب" على تجمعاتٍ نسويةٍ، يطلق عليها "الجروبات"، تشبه كثيراً تجمع نساء الحارة عند الفرّان (المخبز الشعبي) قديماً، أو تجمّع الجارات أمام باب بيت إحداهن، فالأخبار يتم تناقلها بسرعة ويسر، والمناقشات يحمى وطيسها مع نضوج الأرغفة الشهية، أو مع ارتفاع الشمس في كبد السماء، فتصاب النسوة، أمام بيوتهن، بما يشبه حمّى الكلام، بفعل حرارة الجو، أو كما يفسر الأمر بعض علماء الدين بأن الشيطان يضع حلاوةً على اللسان، لكي يحبّب لغو الحديث والجدال للنساء في اجتماعاتهن.
فما بين العلامات الزرقاء التي تؤكد وصول الرسائل وقراءتها من مستلمها يثور الجدال، وتطرح القصص التي غالباً ما تكون ضرباً من الخيال، ومنها قصة أم خميس التي أضحكتني، لمثاليتها الزائدة، فهي امرأةٌ قرّرت تزويج زوجها بأخرى، بعد أن قبع في البيت ينغّص عليها حياتها، ويحسب عليها كل شاردةٍ وواردةٍ، بعد تقاعده. وهكذا استمعت لنصيحة جارتها، وقامت بتزويجه، وأصبحت هي متفرّغةً لحياتها الجديدة، بدون رجل يقيدها، بعد أن كبر الأولاد وتزوجوا، فأصبحت، حسب وصفها نفسها، "كالفراشة"، تتنقل من بيت ابنها إلى بيت ابنتها. وتفرغت للعبادة والعناية بنفسها، فيما كان أبو خميس مشغولاً بحياته الجديدة، بل إنها فرحت، حين علمت بحمل "الضرّة"، وقد كانت فتاةً قارب أن يفوتها قطار الزواج، وسعدت أكثر حين لمست انشغاله وغرقه مع أطفالٍ جدد، يبدأ بهم مرحلة سبق أن مرّا بها سويا قبل سنوات بعيدة.
هذه الحكاية المثالية، غير منطقية الحدوث في عالم النساء، حيث الغيرة والتمسّك بالزوج حتى آخر رمق من أنفاسه أو أنفاسها، ربطتها بفكرة مشروع أطلقتها أكاديمية سعودية، تدعى هوازن ميرزا، وهي تقديم عرض للشباب، الأعزب خصوصاً، بأن يتزوج من ثلاث نساء دفعة واحدة، آنسة ومطلقة وأرملة. وحين يثبت حسن سيره وسلوكه، يتم إهداء الرابعة له بعد مرور عشر سنوات على زواجه من الثلاث، وقد لاقت دعوتها استهجاناً كثيرة مع قليلٍ من الاستحسان من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح مشروعها محلّ نقاش حامٍ بين النشطاء والمهتمين بالشؤون الأسرية، فالمعارضون يرون أن المرأة ليست سلعةً يتم الإعلان عنها بهذا النحو، فيما استحسن المؤيدون هذا العرض، للتقليل من نسبة العنوسة المنتشرة في الوطن العربي، ومنها على سبيل المثال في السعودية، والتي وصلت إلى أربعة ملايين عانس.
ربما كان الزواج بأخرى حلاً بالنسبة لأم خميس، إذ ما كان بينها وبين زوجها ليس إلا نوعاً من الطلاق العاطفي، وسعياً إلى التقليل من عدد الفتيات غير المتزوجات كما ادّعت، فالطلاق العاطفي يحدث بسبب حياةٍ تقليديةٍ روتينيةٍ، استسلم فيها الزوجان لضغوط الحياة، فلم يجدّدا فيها، فالزوجة استسلمت لمنطق العمر، وإلى أنها أصبحت جدة. أما الزوج فقد جعل التقاعد والفراغ منه طفلا مشاكسا يؤذي الجميع، وكان يجب إشغاله بلعبةٍ جديدة. أما دعوى الكاتبة السعودية التي تشبه أم خميس التي أضمرت أمراً خفياً، وحمد الجميع صنيعها في الظاهر، فالرجل القادر على إدارة حياة زوجية مع ثلاث زوجات "حسب الشرع" خارق، ويستحق المكافأة، ولكن ليست الزوجة الرابعة هي المكافأة، بل يستحق بيتاً يتسع لكتيبة أطفالٍ، ودخلاً مضاعفاً على سبيل المثال.
يبدو أن الأكاديمية السعودية تأثرت كثيرا بمسلسل "عائلة الحاج متولي"، والأجدر بكاتبةٍ تحمل هم اللواتي تأخرن في سن الزواج أن تحاول تغيير مفهوم الزواج، بأنه ليس مشروعاً تجارياً، كلما دفع فيه الزوج أكثر سيصون الزوجة أكثر. وكان الأجدر بها أن تعقد دوراتٍ للأهالي ألا ينظروا إلى البنت التي تأخر زواجها على أنها عالة، وألا ينظروا إلى المطلقة والأرملة على أنهما صائدتا رجال. وأخيرا مشروع "أم خميس" الذي تنصح به الزوجات مثيلاتها مهما بدا طيباً ومثالياً لا يخلو من انتقام وديع، من زوجٍ يريد أن ينغص السنوات الأخيرة في حياة أم خميس، فابتلته بزوجة ثانية.