غالباً ما تُثير الباحثة التونسية ألفة يوسف، بكتاباتها، الكثير من الجدل. تُعدّ إحدى أكثر الباحثات العربيات جرأة، وخصوصاً أن أبحاثها تتناول الموروثات الدينية. تخصّصت في اللغة العربية وعلم اللسانيات. ولأنها تملك أدوات ومفاتيح اللغة، استطاعت أن تغوص عميقاً في البحث عن دلالات تثيرُ تساؤلاتها هي أولاً. عملت على مقاربات نقدية للفكر الإسلامي وتحليل التصوّرات غير المدروسة عن الدين واللسانيات والحضارة العربية.
- كيف تُعرّفين عن نفسك؟
تعلّمتُ ممّا قرأت من كتب، ومن خلال أبحاثي وتجربتي، أن الأهمية للحاضر فقط، والمستقبل هو انعكاسٌ للخيال. محاولة رسم صورة لألفة يوسف هي بمثابة وهم، لكن مسيرتي علّمتني أيضاً قبول الأوهام الحتمية. في مرحلة دراستي الابتدائية، بداية السبعينيات، لم أتصوّر أن أبلغ هذا التفكير الفلسفي. كانت والدتي معلمتي الأولى، وقد علمتني العربية لمدة ست سنوات.
- كتابك "ليس الذكر كالأنثى"، يعدّ صادماً في مجتمع محافظ يحتكر فيه الرجل الحديث عن الجنس، عدا عن التعتيم الكامل حول كل ما هو ممنوع اجتماعياً. ماذا تقولين؟
المواضيع المسكوت عنها تكون دائماً صادمة. لكنني ارتكزتُ فيه على النواحي العلمية، وتحديداً علم النفس والقرآن الكريم والسنّة والأمثال الشعبية. ويمكن اعتبار الكتاب، في النهاية، تحليل لتمثُّلات الجنس في الخطاب الديني والأدبي والشعبي.
- في معظم كتاباتك لا تقدمين أجوبة بل تدفعين القارئ إلى التفكير حول أسئلة مطروحة. لماذا؟
أطرح أسئلة أساسية تدفع القارئ للبحث واكتشاف الحقيقة. الحداثة تؤكد أن أساس المعرفة هو التفكيك، أي طرح أسئلة من دون أن يعتقد مَن يطرحها أنه يملك المعرفة أو الحقيقة المطلقة. الحقيقة تُنسَج عبر الحوار والتبادل الفكري بين الكاتب والقارئ.
- هل تقدم دراستك التي تحمل عنوان: "الله أعلم"، أجوبة لأسئلة يطرحها المسلم يومياً؟
تشمل هذه الدراسة ستة كتب هي عبارة عن حوار بين متعصّب وحداثي. تحاول أن تجيب على تساؤلات متعلقة بالدين يطرحها معظم التونسيين. لاقت المجموعة إقبالاً كبيراً، وخصوصاً أنها تقدم دلائل عقلانية عن تساؤلات يومية، ولا تسعى إلى تقديم أجوبة نهائية. فأنا أعتقد أن لكل شخص جوابه. لا أتّفق والكتيّبات التي تدّعي تقديم الحقيقة، والتي يقدم كاتبها نفسه كعالِم مطلق والقارئ كمتلقًّ مطلق.
- كيف تردّين على الذين ارتأوا تكفيرك؟
لم أمسّ، في كتابي، قدسيّة النص الديني. تُحيّرني مسائل عدة تهمّ المسلم وتمسّ حياته في كل جوانبها. فإذا كان القرآن قد حلّل بعض التساؤلات من دون صريح النص، فهنا يكمن دور الاجتهاد وإعمال العقل والإجماع والقياس. حاولت نزع الحجاب عن مواضيع مسكوت عنها. فهناك ثغرات في التفسيرات القديمة. النص القرآني هو الأصل، والتأويل هو تأويل البشر. لم أمسّ بقدسية النص، ونقد البشر لتأويل البشر لا يمسّ النص.
- كيف يمكن تمييز الآيات المُحكمة عن الآيات المتشابهة، وأين هي؟
هناك أوجه متعددة للتأويل. وذكر الرازي أن كل فرقة تُسمّي الآيات الموافقة لمذهبها محكمة، وتلك التي لا توافق مذهبها متشابهة. باعتقادي، آيات الأحكام هي الأهم، وهي التي يدّعي البعض أنه لا مجال للتأويل فيها، بدعوى أنها قطعية ونهائية، وتُمكنّنا من التشريع وإنشاء ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية". لكنها تطرح اليوم جدلية أكبر من تلك المتعلقة بالغيب وشغل أهل الجنة. في ما يتعلق بحد السرقة، على سبيل المثال، هناك مَن أوَّلَ القطع على أنه البتر، وهذا ما تطبّقه بعض الدول، ولكن هناك مَن أوَّلَ البتر على أنه قطع الدوافع التي تحمل المسلم على السرقة، أي تنظيم المجتمع بشكل فاضل ومثالي يجعل الإنسان لا يشعر بدافع للسرقة.
- كيف ترين المشهد السياسي اليوم، وكيف تقيّمين انتشار الأحزاب الإسلامية؟
الساحة السياسية تتعلّم الديمقراطية، إلا أن الغالبية تعاني من "الأنا"، والأقلية تفكر بمصلحة الوطن. هذا عادي في مرحلة بحث تحتاج عشرات السنين، كما هو الحال في معظم البلدان التي وصلت إلى الديمقراطية. وفي ما يخص الأحزاب الإسلامية، لا أفسّر هذه الكلمة، لأنني أعتقد أن الدستور ينص على أن الدولة مدنية، ولا توجد أحزاب مسيحية أو يهودية في تونس، هناك أحزاب تتاجر بإسلام معتدل وحقوق الإنسان في الوقت نفسه لإرضاء الغرب.
- لماذا حضور المرأة ضعيف في المشهد السياسي ومواقع القرار؟
حضور المرأة في مواقع القرار ثقافة لم تنغرس بعد في مجتمعنا، ولا يمكن إلا لجاحد أن ينكر دور المرأة في تونس، قبل ثورة 14 يناير/ كانون الثاني وبعدها، في إحداث تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي. ولولا دور النساء في المجتمع المدني ومشاركتهن في المسيرات والمطالبات، لما تبدّل الوضع في تونس إثر الحوار الوطني. لكن الآتي أفضل. قليل من الصبر.
- تركزين على الدراسات والأبحاث وليس الانتماء السياسي أو الحزبي. لكنك اليوم مع حزب نداء تونس، فما الذي تغيّر؟
لم أكن أشعر بضرورة الانتماء السياسي إلى حزب ما لخدمة البلاد. كنت أخدمها من موقعي الجامعي وموقعي ككاتبة إضافة إلى المواقع الإدارية التي عملت فيها. قدّمت محاضرات في فضاءات سياسية وفضاءات أخرى كالمجتمع المدني. ورغم محاولات الأحزاب لاستقطابي، لا سيما الحزب الحاكم، فقد أردت الحفاظ على حريتي في الطرح والتعبير.
لكن ما تغيّر اليوم وجعلني أنتمي إلى نداء تونس، هو الإحساس بالخطر. الخطر الذي تسير فيه البلاد في ظل عجز الحكومات الحالية عن تسيير شؤون البلاد، وتفشّي العنف وتحوّله إلى أمر مبتذل وعادي وتبرير الأطر الرسمية له. بدا لي أن وضع البلاد اليوم لا يحتمل الاكتفاء بموضع المفكر والباحث، بل يستدعي عملاً ميدانياً تفرضه ضرورة المرحلة حفاظاً على هذه البلاد من الانهيار، وحتى لا يتهمني أبنائي يوماً بالتقاعس في المساهمة في حماية مستقبلهم.
- هل ستواصلين العمل الحزبي؟
انضمامي اليوم هو ظرفي، وعندما تستقر الأمور سيكون انتمائي للوطن فقط.
(استقالت من نداء تونس بعد إجراء هذا الحوار)
الكاتب حرّ
ترى ألفة يوسف، رداً على اتهامها بالتطرق إلى قضايا حساسة، أنه "يحق لكل كاتب أن يتناول المسألة التي يشاء، متى يشاء، فكل ما هو قابل للإدراك قابل أن يكون موضوعاً للبحث، وكأن الكاتب يجب أن يكتب وفق ما يطلبه القراء. أنا لا أبحث في الجنس فقط. كتبت عن المثلية ضمن سلسة الله أعلم، والغريب أن هذه السلسلة تتحدث عن الميراث والزواج. لكن البعض ركز على المثلية، وهذا دليل على تأثير الموضوع فيهم". وتسأل: "أين المشكلة في الكتابة عن الجنس؟".
- كيف تُعرّفين عن نفسك؟
تعلّمتُ ممّا قرأت من كتب، ومن خلال أبحاثي وتجربتي، أن الأهمية للحاضر فقط، والمستقبل هو انعكاسٌ للخيال. محاولة رسم صورة لألفة يوسف هي بمثابة وهم، لكن مسيرتي علّمتني أيضاً قبول الأوهام الحتمية. في مرحلة دراستي الابتدائية، بداية السبعينيات، لم أتصوّر أن أبلغ هذا التفكير الفلسفي. كانت والدتي معلمتي الأولى، وقد علمتني العربية لمدة ست سنوات.
- كتابك "ليس الذكر كالأنثى"، يعدّ صادماً في مجتمع محافظ يحتكر فيه الرجل الحديث عن الجنس، عدا عن التعتيم الكامل حول كل ما هو ممنوع اجتماعياً. ماذا تقولين؟
المواضيع المسكوت عنها تكون دائماً صادمة. لكنني ارتكزتُ فيه على النواحي العلمية، وتحديداً علم النفس والقرآن الكريم والسنّة والأمثال الشعبية. ويمكن اعتبار الكتاب، في النهاية، تحليل لتمثُّلات الجنس في الخطاب الديني والأدبي والشعبي.
- في معظم كتاباتك لا تقدمين أجوبة بل تدفعين القارئ إلى التفكير حول أسئلة مطروحة. لماذا؟
أطرح أسئلة أساسية تدفع القارئ للبحث واكتشاف الحقيقة. الحداثة تؤكد أن أساس المعرفة هو التفكيك، أي طرح أسئلة من دون أن يعتقد مَن يطرحها أنه يملك المعرفة أو الحقيقة المطلقة. الحقيقة تُنسَج عبر الحوار والتبادل الفكري بين الكاتب والقارئ.
- هل تقدم دراستك التي تحمل عنوان: "الله أعلم"، أجوبة لأسئلة يطرحها المسلم يومياً؟
تشمل هذه الدراسة ستة كتب هي عبارة عن حوار بين متعصّب وحداثي. تحاول أن تجيب على تساؤلات متعلقة بالدين يطرحها معظم التونسيين. لاقت المجموعة إقبالاً كبيراً، وخصوصاً أنها تقدم دلائل عقلانية عن تساؤلات يومية، ولا تسعى إلى تقديم أجوبة نهائية. فأنا أعتقد أن لكل شخص جوابه. لا أتّفق والكتيّبات التي تدّعي تقديم الحقيقة، والتي يقدم كاتبها نفسه كعالِم مطلق والقارئ كمتلقًّ مطلق.
- كيف تردّين على الذين ارتأوا تكفيرك؟
لم أمسّ، في كتابي، قدسيّة النص الديني. تُحيّرني مسائل عدة تهمّ المسلم وتمسّ حياته في كل جوانبها. فإذا كان القرآن قد حلّل بعض التساؤلات من دون صريح النص، فهنا يكمن دور الاجتهاد وإعمال العقل والإجماع والقياس. حاولت نزع الحجاب عن مواضيع مسكوت عنها. فهناك ثغرات في التفسيرات القديمة. النص القرآني هو الأصل، والتأويل هو تأويل البشر. لم أمسّ بقدسية النص، ونقد البشر لتأويل البشر لا يمسّ النص.
- كيف يمكن تمييز الآيات المُحكمة عن الآيات المتشابهة، وأين هي؟
هناك أوجه متعددة للتأويل. وذكر الرازي أن كل فرقة تُسمّي الآيات الموافقة لمذهبها محكمة، وتلك التي لا توافق مذهبها متشابهة. باعتقادي، آيات الأحكام هي الأهم، وهي التي يدّعي البعض أنه لا مجال للتأويل فيها، بدعوى أنها قطعية ونهائية، وتُمكنّنا من التشريع وإنشاء ما يسمى بـ"الدولة الإسلامية". لكنها تطرح اليوم جدلية أكبر من تلك المتعلقة بالغيب وشغل أهل الجنة. في ما يتعلق بحد السرقة، على سبيل المثال، هناك مَن أوَّلَ القطع على أنه البتر، وهذا ما تطبّقه بعض الدول، ولكن هناك مَن أوَّلَ البتر على أنه قطع الدوافع التي تحمل المسلم على السرقة، أي تنظيم المجتمع بشكل فاضل ومثالي يجعل الإنسان لا يشعر بدافع للسرقة.
- كيف ترين المشهد السياسي اليوم، وكيف تقيّمين انتشار الأحزاب الإسلامية؟
الساحة السياسية تتعلّم الديمقراطية، إلا أن الغالبية تعاني من "الأنا"، والأقلية تفكر بمصلحة الوطن. هذا عادي في مرحلة بحث تحتاج عشرات السنين، كما هو الحال في معظم البلدان التي وصلت إلى الديمقراطية. وفي ما يخص الأحزاب الإسلامية، لا أفسّر هذه الكلمة، لأنني أعتقد أن الدستور ينص على أن الدولة مدنية، ولا توجد أحزاب مسيحية أو يهودية في تونس، هناك أحزاب تتاجر بإسلام معتدل وحقوق الإنسان في الوقت نفسه لإرضاء الغرب.
- لماذا حضور المرأة ضعيف في المشهد السياسي ومواقع القرار؟
حضور المرأة في مواقع القرار ثقافة لم تنغرس بعد في مجتمعنا، ولا يمكن إلا لجاحد أن ينكر دور المرأة في تونس، قبل ثورة 14 يناير/ كانون الثاني وبعدها، في إحداث تغيير سياسي واجتماعي واقتصادي. ولولا دور النساء في المجتمع المدني ومشاركتهن في المسيرات والمطالبات، لما تبدّل الوضع في تونس إثر الحوار الوطني. لكن الآتي أفضل. قليل من الصبر.
- تركزين على الدراسات والأبحاث وليس الانتماء السياسي أو الحزبي. لكنك اليوم مع حزب نداء تونس، فما الذي تغيّر؟
لم أكن أشعر بضرورة الانتماء السياسي إلى حزب ما لخدمة البلاد. كنت أخدمها من موقعي الجامعي وموقعي ككاتبة إضافة إلى المواقع الإدارية التي عملت فيها. قدّمت محاضرات في فضاءات سياسية وفضاءات أخرى كالمجتمع المدني. ورغم محاولات الأحزاب لاستقطابي، لا سيما الحزب الحاكم، فقد أردت الحفاظ على حريتي في الطرح والتعبير.
لكن ما تغيّر اليوم وجعلني أنتمي إلى نداء تونس، هو الإحساس بالخطر. الخطر الذي تسير فيه البلاد في ظل عجز الحكومات الحالية عن تسيير شؤون البلاد، وتفشّي العنف وتحوّله إلى أمر مبتذل وعادي وتبرير الأطر الرسمية له. بدا لي أن وضع البلاد اليوم لا يحتمل الاكتفاء بموضع المفكر والباحث، بل يستدعي عملاً ميدانياً تفرضه ضرورة المرحلة حفاظاً على هذه البلاد من الانهيار، وحتى لا يتهمني أبنائي يوماً بالتقاعس في المساهمة في حماية مستقبلهم.
- هل ستواصلين العمل الحزبي؟
انضمامي اليوم هو ظرفي، وعندما تستقر الأمور سيكون انتمائي للوطن فقط.
(استقالت من نداء تونس بعد إجراء هذا الحوار)
الكاتب حرّ
ترى ألفة يوسف، رداً على اتهامها بالتطرق إلى قضايا حساسة، أنه "يحق لكل كاتب أن يتناول المسألة التي يشاء، متى يشاء، فكل ما هو قابل للإدراك قابل أن يكون موضوعاً للبحث، وكأن الكاتب يجب أن يكتب وفق ما يطلبه القراء. أنا لا أبحث في الجنس فقط. كتبت عن المثلية ضمن سلسة الله أعلم، والغريب أن هذه السلسلة تتحدث عن الميراث والزواج. لكن البعض ركز على المثلية، وهذا دليل على تأثير الموضوع فيهم". وتسأل: "أين المشكلة في الكتابة عن الجنس؟".