إذا عدنا بأرشيف الدراما السورية، سنرى اسمها حاضراً، لا محالة، في عدة أعمال مهمة تركت أثرها في ذاكرة كل مشاهد سوري وعربي، وما زال حتى اليوم يذكرها ويعيد مشاهدتها، لما فيها من قصص غنية وأداء جماعي محترف. اسم أمل عرفة لم يكن وليد اليوم، بل هو حصيلة لعدة أعمال فنية، جعلت اسمها يكبر أكثر تدريجاً، وأضاف إلى اجتهادها أنها تربّت في عائلة فنية، بحكم أنها ابنة الموسيقار الراحل سهيل عرفة. لكن في الآونة الأخيرة، تعرضت أمل لعقبات مختلفة، جعلت نجوميتها تتراجع نتيجة مواقف عدة فنية وسياسية، ما جعل صورتها تهتزّ، وفرض عليها إعادة التوازن. نجاحات أمل بقيت أمل حاضرة في ذاكرة المُشاهِد منذ بداياتها، وتحديداً في مسلسل "عيلة خمس نجوم" الذي قدّمها للوطن العربي بشخصية "سمر"، وترسّخت تفاصيل المسلسل على الشاشات حتى اليوم، حيث تُعاد مشاهدته في كل مرة يُعرَض فيها، وطبعاً انطلقت أمل بعدها في أعمال ناجحة، لتتألق بشخصيات مختلفة من "الجوارح" إلى "خان الحرير"، وصولاً إلى "حمام القيشاني". ولعل الانتشار الأكبر كان من خلال تجربتها الأولى في الكتابة في مسلسل "دنيا" عام 1999 الذي لاقى صدىً لافتاً في الوطن العربي، ويُعاد عرضه حتى اليوم. وتلاه مسلسل "الخوالي" مع المخرج بسام الملا. وبعد ذلك، ظلت أمل تحقق النجاح في أدوار متتالية، إذ كتبت مسلسلي "عشتار" الذي حقق نجاحاً أيضاً، ومن ثم "رفة عين" في 2013، وكان من الأعمال التي تحترم عين المُشاهِد. وطبعاً يوجد في أرشيف عرفة أغانٍ مختلفة قدمتها بصوتها، مثل على "أحرّ من الجمر" و"لازم تبعد عني"، فضلاً عن أغاني مسلسلها "عشتار"، والـ"ديو" الذي جمعها في بداياتها مع المطرب اليمني فهد يكن بأغنية "صباح الخير يا وطناً". وقدمت أمل أيضاً برنامجاً تلفزيونياً على قناة MBC بعنوان "ابتسامات".
سوء إدارة حريٌّ بكل فنان أن يحافظ على صورته، خصوصاً إذا ما وصل إلى مرحلة النجومية التي وصلت إليها أمل، والتي بدأت مسيرتها بالتعثر أخيراً، وبشكل واضح لعدة أسباب متتالية. بدايةً من مسلسل "سايكو" الذي كتبته ومثلت فيه خمس شخصيات وأنتجَته أيضاً، إلا أن المسلسل لم يُبَعْ للقنوات، وهذا ما شكّل استياءً لدى عرفة وجمهورها الذي بدأ يقيم حملات تطالب بعرض العمل. وهُنا لجأت الفنانة إلى قناة "لنا" السورية لتقدّم برنامجاً حوارياً فيه بعنوان "في أمل". البرنامج كان سيئاً في إعداده، رغم الضيوف الكبار الذين استضافتهم. ولم تستطع أمل إدارة دفة الحوار في الحلقات، وخصوصاً أنه كان يجري تصوير حلقتين في اليوم الواحد، وسقط البرنامج إجمالاً وصدّر أمل بصورة لا تليق بها، وتزامن ذلك مع عرض مسلسل "سايكو" على القناة نفسها. ورغم الآمال التي كانت معلقة على المسلسل الكوميدي، إلا أن العمل برمّته كان سيئاً، فالسيناريو ضعيف والإخراج غير منصِف، ولعبت فيه خمس شخصيات مختلفة دون مبرر لذلك. ورغم أنها أدت الأدوار جيداً، لكن اتضح الإرهاق على الشخصيات وتفاصيلها، وخصوصاً مع مخرج جديد، هو كنان صيدناوي، وهذا ما أضاف إخفاقاً جديداً. تأتي القصة الأخيرة في موسم رمضان 2019 من خلال مسلسل "كونتاك"، وهو عبارة عن لوحات كوميدية، وقد كان المسلسل رغم هشاشته يسير على ما يرام، لكن في إحدى اللوحات اتُّهمَت "الخوذ البيضاء" مباشرةً بفبركة ارتكاب مجزرة السلاح الكيماوي، وهذا ما أحدث ضجة كبيرة ضد أمل تحديداً التي لاقت موجة عارمة من الغضب، فاعتذرت على صفحتها الشخصية، فيما إذا جرحت أو أساءت إلى أحد من السوريين، إلا أن ذلك جعلها في مأزق آخر من قِبَل الطرف الموالي للنظام الذي اعتبرها تقف مع "الإرهابيين" ضد أبناء شعبها، فوقعت عرفة بين نارين، وحاربتها السلطة في سورية نتيجة موقفها هذا، ومُنِعت من الظهور على وسائل الإعلام مؤقتاً، ما جعلها تقرر الاعتزال لتتراجع عنه في النهاية من خلال دورٍ جديد في مسلسل من إنتاج المؤسسة العامة، هو "حارس القدس" كي تفتح صفحة جديدة في حياتها الفنية، محاولةً تناسي كل ما مضى من عثرات.
محاولة جديدة أعلنت أمل عن مسلسل جديد من تأليفها سيجمعها بالكاتب شادي كيوان، وهو بعنوان "باصرة"، وهي اسم لإحدى ألعاب ورق اللعب، وتعكف على كتابته ليكون حاضراً في موسم 2021. لكن هناك عدة تفاصيل ربما لم تراعِها أمل. فشادي كان من مؤلفي مسلسل "كونتاك" الذي كانت إحدى لوحاته سبباً لتلك المشكلة معها، وربما هي خطوة غير محسوبة منها. فضلاً عن ذلك، فالمسلسل يتضح من اسمه أنه اجتماعي كوميدي، وهو ما لم تنجح، أخيراً، في تقديمه للناس، سواء في ثاني أجزاء "دنيا" الذي أخرجه زهير قنوع، أو في مسلسلها الأخير "سايكو"، وبالتالي إن الابتعاد عن هذا النوع من الأعمال، ولو مؤقتاً، سيكون من مصلحتها.
لكن على الضفة المقابلة، تشارك أمل في مسلسل "شارع شيكاغو" مع المخرج محمد عبد العزيز بدور "سماهر"، وهو المسلسل الذي ينتظره الكثيرون، لما فيه من قصص فريدة، ولأنه جمع عدة نجوم سوريين لم يجتمعوا منذ مدة طويلة في عمل واحد، ما قد يعيد الإشراقة إلى وجه أمل وحضوراً أكبر يترسّخ من جديد في عمل مهم ومختلف. عثرات متلاحقة جعلت وهج أمل سهيل عرفة يخفت أمام شريحة واسعة من الناس، وهي ما زالت تحاول جاهدة أن تستعيد ثقة الجمهور بها، ليبقى محباً لتلك الفنانة التي بدأت مسيرتها بنجاح وزرعت في بيوتهم قصصاً حلوة بأعمال لا يمكن محوها من الذاكرة. لكن يبقى السؤال فيما إن كانت ستستطيع إعادة ذاك الألق الذي كانت عليه وتعود لتستحوذ على اهتمام الناس واستقطاب المشاهدين كما شركات الإنتاج أيضاً.