تغريدة واحدة من الرئيس الأميركي دونالد ترامب هزّت العالم العربي. "توصُّل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى اتفاق سلام وصف بـ"التاريخي" يسمح للبلدين بتطبيع العلاقات بينهما"، أعلنها ترامب، وضجت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بكل تعابير الرفض، فيما صفق عدد من الدول، وبينها بلدان تستعد للدخول في تجربة مماثلة.
ولكن، هذا الاتفاق يأتي في ظل أزمة كبيرة يواجهها كل من الاقتصادين الإسرائيلي والإماراتي. وفيما ينص الاتفاق على "التعاون"، كاد رئيس الوزراء الإسرائيلي الغارق في ملفات الفساد، يغص في كلماته حين قال الخميس: "هناك استثمارات هائلة ستضخها الإمارات في اقتصادنا، خاصة في مجالات كورونا والطاقة والمياه". هو دعم لدولة تغتصب أرض الفلسطينيين إذن، دعم من أموال الإماراتيين الذين تتزايد عليهم الضرائب وتتناقص سبل الرفاه في حياتهم، من أجل زيادة رفاهية الاحتلال.
وتمويل الإمارات للاقتصاد الإسرائيلي لن يطول كثيراً، فقد أكد بيان الاتفاق أن بدء علاقات مباشرة بين اثنتين من أكبر القوى الاقتصادية في الشرق الأوسط، من شأنه أن يؤدي إلى النهوض بالمنطقة من خلال تحفيز النمو الاقتصادي، وتعزيز الابتكار التكنولوجي. وأشار البيان إلى أن وفودا من الإمارات و"إسرائيل" ستجتمع "لتوقيع اتفاقيات ثنائية تتعلق بقطاعات الاستثمار والسياحة والرحلات الجوية المباشرة والأمن والاتصالات والتكنولوجيا والطاقة والرعاية الصحية والثقافة والبيئة وإنشاء سفارات متبادلة".
في حين أكدت وزارة الخارجية الإماراتية في بيان الخميس هذه المعلومة، مشيرة إلى أن وفدين من الإمارات وإسرائيل سيلتقيان خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات من بينها الطاقة والسياحة والرحلات المباشرة والاستثمار والأمن والاتصالات والتكنولوجيا. وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت أكدت عبر محللين اقتصاديين أن إسرائيل ستعاني من أسوأ ركود اقتصادي في تاريخها هذا العام، بحيث سيقفز معدل البطالة مع انتهاء أزمة كورونا إلى 12 في المائة بحسب تقدير صندوق النقد الدولي، فيما يتم ترجيح سيناريو الانخفاض بنسبة 5.3 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، يأتي ذلك فيما هوى الاستثمار الأجنبي المباشر في دبي 74 في المائة، وتراجعت الأصول الاحتياطية من النقد الأجنبي في الإمارات إلى 96 مليار دولار، تراجعاً من 110 مليارات دولار في مارس/ آذار الماضي، ما يعني أن الإمارات فقدت نحو 14 مليار دولار بسبب تداعيات جائحة كورونا.
وقالت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقريرها الأخير، إن الإمارات ستعاني من انكماش حاد، كما أكد التقرير أن ديون الكيانات المرتبطة بحكومة دبي لا تزال أكثر عرضة للمخاطر الكلية بسبب حيازتها في قطاعات العقارات والنقل والسياحة، وأشار التقرير إلى أن نمو الاقتصاد غير النفطي في الإمارات كان يعاني حتى قبل تفشي كورونا. ويأتي اتفاق التطبيع، بعد العديد من الإجراءات التمهيدية التي قامت بها الإمارات خلال الفترة الماضية.
ففي العام 2018، شارك وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا، في مؤتمر الاتصالات الذي أقيم في مدينة دبي في أكتوبر/ تشرين الأول، وألقى كلمة فيه. وفي يوليو/ تموز 2019، وجهت الإدارة الإماراتية، دعوة إلى الشركات الإسرائيلية من أجل المشاركة في معرض إكسبو 2020 دبي الذي تم تأجيله بعد انتشار كورونا. وفي مايو/ أيار 2020 أطلقت شركة الاتحاد للطيران الإماراتية، أول رحلة لها إلى إسرائيل بحجة توصيل إمدادات طبية لدعم فلسطين بمكافحة كورونا. وفي يونيو/ حزيران، أطلقت رحلة مباشرة ثانية. وكرت السبحة منذ ذاك الشهر، مع بدء التعاون بين الإمارات والإسرائيليين في "جهود مكافحة كورونا"، وسط إطلاق مشاريع مشتركة بين شركات الطرفين.
ويبدو أن الأمر لن يتوقف على الإمارات، مع الإعلان عن أن البحرين ستكون الدولة الثانية على لائحة التطبيع، في حين يبدو أن المحاولات السعودية لجذب الاستثمارات الأجنبية لتمويل الإصلاحات الاقتصادية في رؤية 2030 قد تدفع بالمملكة إلى الاقتراب من إسرائيل أيضاً. وقال مارك شناير الحاخام الأميركي الذي تربطه علاقات بالمملكة والخليج لوكالة فرانس برس في أيار/مايو: "يدرك السعوديون الدور المهم الذي تلعبه إسرائيل في المنطقة".
وتابع: "قبل عامين فقط، أخبرني الأمير خالد بن سلمان (نائب وزير الدفاع) أن المملكة تعرف أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من تحقيق خطتها الاقتصادية لعام 2030" التي أعلن عنها ولي العهد في 2016. ويأتي التطبيع هذا بعدما أطلق جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، العام الماضي مع يعرف بـ "صفقة القرن" ودعا إلى إنشاء صندوق لاستثمار 50 مليار دولار "في دعم وضع الاقتصاد الفلسطيني والدول العربية المجاورة".