لا تُدار معركة الصحراء الغربية بين المغرب وجبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، فقط في أروقة وكواليس منظمة الأمم المتحدة، بل تجري جولات دبلوماسية، غير بعيدة عن مقرّ المنظمة لحشد التعاطف وكسب التأييد لهذا الطرف أو ذاك.
وكانت أميركا اللاتينية ولا تزال، أكثر المناطق التي تتسم بمعارك دبلوماسية شرسة بين المغرب وجبهة البوليساريو، بخصوص ملف الصحراء الذي عمّر طويلاً، بحيث توجد دول في هذه المنطقة من القارة الأميركية تعترف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، وأخرى تؤيد أطروحة المغرب، فيما تتخذ مجموعة أخرى موقفاً وسطاً.
اقرأ أيضاً: الرباط غير قلقة من مقاضاة مسؤوليها بتهم "إبادة" بالصحراء
واندلع نزاع الصحراء بعد انسحاب الاستعمار الإسباني من المنطقة عام 1975، حين طالب المغرب باسترجاع الصحراء من الاحتلال الإسباني، باعتبارها جزءاً من أراضيه، فيما سعت جبهة "البوليساريو" إلى إقامة دويلة جديدة منفصلة في منطقة الصحراء، ما دفع المملكة لاقتراح خطة الحكم الذاتي كحلّ لهذا الملف الشائك.
موازين القوى
وتعتبر كوبا، منذ اندلاع أزمة الصحراء، بحكم توجهها الإيديولوجي، خير سند لجبهة البوليساريو والجزائر في الترويج لأطروحة انفصال الصحراء عن المغرب، إذ ساعدت الجبهة في كسب اعتراف العديد من دول أميركا اللاتينية لما يسمى بالجمهورية الصحراوية.
وعزا المستشار السياسي والخبير في ملف الصحراء، سمير بنيس، تفوق جبهة البوليساريو، ومن يدعمها، في كسب تأييد عدد من دول أميركا اللاتينية إلى "الفتور الذي عاشته الدبلوماسية المغربية، لسنين طويلة في التعريف بموقف المملكة أمام الرأي العام والمجتمع المدني في تلك المنطقة".
لكن في السنوات الأخيرة، بدأت موازين المعركة تتحول، بعدما فطن المغرب إلى ضرورة وضع استراتيجية متوسطة المدى، تمكنه من قلب الموازين لصالحه، والتعريف بموقفه من الملف، ووضعه أمام زعماء دول أميركا اللاتينية.
وقال بنيس لـ"العربي الجديد"، إن "هذه الاستراتيجية تمثلت في التقارب مع بعض المجموعات الإقليمية في المنطقة، وتعزيز الشراكة السياسية معها، كما عمل المغرب على إعطاء دينامية جديدة للدبلوماسية البرلمانية، وجعلها خطوة أولى تمهد الطريق للتقارب بين حكومة الرباط وحكومات بعض دول أميركا اللاتينية".
وشرح المحلل أنّه على سبيل المثال أصبح المغرب دولة مراقبة في التحالف الأطلسي، الذي يضم كلا من المكسيك، وبيرو، والشيلي، وكولومبيا، وهو البلد العربي الوحيد الذي يتمتع بهذه الصفة، مما ساعده على تعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية مع هذه الدول وتعزيز الحوار السياسي معها".
وذهب بنيس إلى أنه بفضل هذا التواجد المغربي ضمن التحالف الأطلسي، استطاعت المملكة أن تكسب تعاطف تلك البلدان إزاء الطرح المغربي، أو على الأقل دفعها إلى اتخاذ "الحياد الإيجابي"، بما يعني الامتناع عن اتخاذ أي موقف ضدّ مصالح المغرب.
واعتبر بنيس أنّ المغرب نجح إلى حد ما، خلال السنوات الماضية، في قلب الموازين لصالحه في بعض بلدان أميركا اللاتينية، موضحاً أن "المغرب تمكن مثلاً من كسب تأييد باراغواي وبنما لموقفه بخصوص النزاع، بحيث سحب البلدان اعترافهما بما يسمى الجمهورية الصحراوية".
3 مجموعات لاتينية
ويقسم المستشار السياسي المغربي دول أميركا اللاتينية بخصوص نزاع الصحراء إلى ثلاث مجموعات: الأولى مجموعة من شبه المستحيل على المغرب أن يكسب تعاطفها مع موقفه، في ظل وجود نفس التوجه الإيديولوجي لحكوماتها مع البوليساريو، وهي كوبا وفنزويلا وبوليفيا والإكوادور ونيكاراغوا.
ويشرح بنيس هذا التوجه بأن هذه الدول تبني سياستها الخارجية على "العداء للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، وبحكم أن المغرب من حلفاء الولايات المتحدة منذ فترة الحرب الباردة، فمن الصعب جداً تصور أي تحول لموقف هذه الدول ما دامت توجهات حكوماتها تتعارض مع التوجه الانفتاحي للمغرب".
أما المجموعة الثانية، فهي مجموعة "الميركوسور"، وهو تجمع إقليمي اقتصادي كان يضم كلا من البرازيل، والأرجنتين، وباراغواي، وأورغواي، قبل أن تنضم إليه فنزويلا. وخلافاً للمجموعة الأولى، يتوفر للمغرب هامش من المناورة مع الدول المنتمية لهذه المجموعة، خصوصاً الدول الأربع المؤسسة لها.
ويعتبر بنيس أن سحب باراغواي لاعترافها بـ"الجمهورية الصحراوية"، خير دليل على مرونة دول هذه المجموعة للتفاعل مع الحجج التي يقدّمها المغرب لدعم موقفه"، مشيراً إلى الموقف البرازيلي الذي يسير في اتجاه التعاطف مع الأطروحة المغربية، بالنظر إلى العلاقات الاقتصادية المتنامية التي تربط بين المغرب والبرازيل.
واستطرد المحلل بأن "مناورات البوليساريو للضغط على الحكومة البرازيلية للاعتراف بها فشلت، رغم تقديم البرلمان البرازيلي لملتمس لحكومته للاعتراف بها، كما رفضت البرازيل الضغط على الأمم المتحدة من أجل توسيع صلاحيات "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان.
وتتكون المجموعة الثالثة، من دول "التحالف الأطلسي"، والتي يتوفر فيها المغرب على صفة مهمة تخوله تعزيز الحوار السياسي مع حكومات دول هذه المجموعة، وتقوية المبادلات التجارية وفرص الاستثمار معها، وبالتالي تعبيد الطريق لكسب دعمها لموقف المملكة.
وذهب بنيس إلى أنه "ينبغي على المغرب اغتنام تمتعه بصفة المراقب في هذه التكتل الإقليمي، لتليين موقف المكسيك تجاه قضية الصحراء، وإقناعها بأحقية الموقف المغربي، وجدية مشروع الحكم الذاتي الذي تقدم به عام 2007 للتمهيد للتوصل إلى حل سياسي متوافق عليه لقضية الصحراء".