أنا والمستبد

18 فبراير 2016
أفهم متأخراً لماذا وكيف تفاقم استبدادُه (مواقع التواصل)
+ الخط -
لم تكن مرّةً واحدةً لا ولا مرات تلك التي يترسخ فيها في ذهني أنه مستبد.

صورة المستبد التي عرفت طريقها إلى ذهني النّامي وعقلي الصغير منذ الطفولة ظلّ النفور هو الحبل الواصل بيني وبينها، ورغم القسوة والمرارة، لكنها أنضجتني باكراً.

إنضاجٌ قبل الوقت والتحامٌ باكرٌ بالحياة وممارسة طفليّةٌ، ما فتىء ساعدُها يشتد، لمقارعة التيار، وارتطامٌ قبل الأوان بمسامير الحياة وأقطابها السالبة، علناً وخلف الكواليس.

ثمة ما عشش في دماغي باكراً واستوطنه وبنى أوكاره ودهاليزه فيه.. ولم يخرج، بل لم يعد قادراً على الخروج، وثمّة ماردٌ وليد بزغ من التربة واشرأبّ بسرعة وما عاد قادراً على التّواري أو التلثّم، وبدت طبيعته بارزةً بوضوح منذ مراحله الأولى فمارس مارديَّته رغم حداثته وبدائية أدواته، وأصرّت كينونتُه على البقاء والتلويح بموجوديّته وفعله وصيرورته نحو التجذّر وما يريد، وإن تفاوت في اعتلائه ما بين المدّ والجزر، وبدا واضحاً للكثيرين وإن لم يدركوا ماهيّته لكنهم فهموا أنه بركانٌ ما، لا يمكن بحالٍ بسطُ اليد فوقه.

هذا الصقلُ قادني إلى مفهوم المعارك ودروب الصراعات باكراً، حلحل أمام عينيّ كلَّ الهيبات وصغّر في نظري كلّ الكبار، وتهلهلت في ذهني كلُّ النظريات والأساطير، سيّما أنني بذكائي المتعب اشمئززتُ من تلك الرائحةِ العفنة النّاشبة في الهوّة ما بين التنظير والواقع، وبملء عيني كنت أرى الوجهين الكاذبين الناقدين لبعضهما الآخر، وربما كانت وجوهاً في أحيان كثيرة، ونحيّتُ المسلّمات والآليّة في القبول على نحوٍ لا يقبل إلا بالفهم والتحليل والأخذ والردّ.

امتلكت باكراً مساقطَ متعددة، وصارت البانوراما نمطاً هاماً لعينيّ في الرؤية، ولم يعد من الممكن بعد هذا الابتكار الذي هرول إلي أن أتخلى عنه لنمطٍ آخر من الرؤية أو أن أقفَ في مكان أرضيٍّ موازٍ للمشهد، ولا حتى أن أركض متجاوزةً الضجيج...

تأقلمتُ في سنٍّ صغيرة على ألا أتأقلم.. وانتفضتُ منذ الطفولة بأساليب مبتكرة، كلما تستدعيها ذاكرتي الآن أذهل أمام جبروتي الطفوليّ وأدهش كيف كان لي ذلك في تلك العمر الصغيرة وذلك الزمن الغابر؟! وأفهم متأخراً لماذا وكيف تفاقم استبدادُه.. وصرت شيطاناً أحمر بثلاثة قرون وعشرين مخلباً، ومع ذلك كله ظللت بذاتٍ واحدةٍ لا تتجزأ.

إنني الآن فقط أعترف بأن نيوتن كان محقاً في قانونه الثالث، وحتى هذا القانون ليس مسلّمةً بل رجعٌ واقعيٌّ بامتياز، اجتماعيٌّ كما هو فيزيائيّ.. وذلك من واقع خوضي الحياتيّ الذاتيّ مفرط البدء.

(مصر)

دلالات
المساهمون