كان التوقيت صباحًا بعد أن اطمأنت هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي وقيادة الشرطة الإسرائيلية، إلى أن وقود المواجهة من تلاميذ المدارس والفتية انتظموا في مدارسهم، وبعد أن تأكد لهم أن العمال في أعمالهم، وأن مخيم شعفاط بعيد الساعة الثامنة سيكون خالياً من عصب حياته من الشبان.
اجتاحوا المخيم بعديدهم الضخم، وكان عشرات من جنودهم يهرولون كلما توغلوا أكثر في الأزقة، لعلهم توقعوا مطرًا من الحجارة تسقط عليهم، وكانوا أعدوا للاجتياح عدته، فرق ووحدات القتل والقنص، ووحدات الهندسة والمتفجرات والكلاب البوليسية المدربة، كل ذلك أعدوا له من التجهيز ما لم يخطر على بال زوجة الشهيد الفلسطيني إبراهيم العكاري من مخيم شعفاط شمالي القدس.
سكان المخيم استيقظوا صباح يوم أمس الأربعاء، ليواجهوا جيشاً انتشر جنوده على أسطح البنايات العالية، وكمنوا في مواقع تمكنهم من القنص والقتل في ما لو قوبلوا بمواجهة من شبان المخيم الذين أذاقوهم قبل نحو شهر مر الهزيمة، لدى محاولتهم اقتحام منزل شاب من عائلة أبو خليفة طعن جنوداً ثم اعتقل.
جيش الاحتلال حاول الادعاء بأنه حقق نصرًا في مواجهة غير متكافئة؛ طرفها الأول منزل بائس لشهيد بات أيقونة ورمزًا، وبين جيش محتل لا يشفي غليل قادته إلا رؤية منازل الفلسطينيين ركامًا.
في المخيم، اصطف السكان خلف منزل الشهيد، ويقول ثائر الفسفوس الناطق الإعلامي باسم حركة فتح في مخيم شعفاط: "حين اهتزت بيوت المخيم، كان الناس مثل النهر الجاري يتدفقون إلى منزل الشهيد، وكان الغضب حجرًا ومقاومة واشتباكًا مع الجنود الفزعين الذين أرادوا الخروج على عجل، لكن الأهالي يتسابقون لإزالة الركام بسرعة وأزالوه".
بالنسبة لسكان المخيم اللاجئين، فإن اجتياح بيت العكاري بهذا العدد الهائل من الجنود تاريخ يكتب ويسطر وسيتذكره كثيرون، في ما علا الهتاف من أزقة المخيم ويتبعه تصفيق تحية للشهيد العكاري، في ما فاعلو الخير كانوا من الكثرة بحيث لم تنم عائلة الشهيد في العراء؛ أحدهم تبرع بشقة، وآخر تبرع بالأثاث، وثالث بالأدوات الكهربائية، وما هي إلا ساعات حتى كان من جديد لعائلة الشهيد مسكنًا تأوي إليه.
مشهد لم يخلُ من تأثر ودموع زوجة الشهيد العكاري وشقيقه وشقيقاته، كل واحد منهم عبر عن مشاعره بطريقته الخاصة، إذ قال منصور العكاري شقيق الشهيد إبراهيم لـ"العربي الجديد"، "لقد ارتكبوا خطأً جسيماً، كدنا أن نتعايش مع رحيل إبراهيم، لكنه عاد إلينا من جديد، ونحن في لحظة اجتمع الناس جميعهم في بيته بعد أن ودعوه قبل عام".
في مخيم شعفاط يتحدثون عن صمود أسطوري، وعن حساب مفتوح لم ينته، كما يردد شبان وفتية المخيم، أما جيش الاحتلال "الذي لا يقهر"، فقد خسر المعركة، وحين غادر الجنود المخيم، ودِّعوا بمطر من حجارة.
اقرأ أيضا: الاحتلال يُدمّر منزل الشهيد إبراهيم العكاري شمالي القدس المحتلة