يبدو أن أوروبا مقبلة على أزمة مالية قد تفوق في حدتها أزمة الديون التي اندلعت في العام 2010، وأنها ستعاني من مشكلة اقتصادية قد تزيد ضراوتها وحدتها عن الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في شهر أغسطس/آب من العام 2008 وامتدت بسرعة من الولايات المتحدة ومؤسساتها المالية للقارة العجوز وقطاعها المصرفي وبورصاتها.
وأنه سيأتي اليوم الذي نترحم فيه على أزمة الكساد الاقتصادي العظيم التي وقعت في العام 1929، أو على الأقل نتعامل فيه مع أزمات الدول التي تعرضت لخطر الإفلاس والتوقف عن سداد ديونها الخارجية على أنها كانت أزمات صغيرة وطارئة، ولا تستحق كل هذا الضجيج والذعر الذي انتاب الأسواق العالمية.
أوروبا تنزلق بسرعة نحو أكبر أزمة مصرفية قد تشهدها منطقة اليورو، بل والعالم، وفي الوقت الذي لم تفق فيه القارة العجوز بعد من أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتداعياتها الخطيرة وقبلها أزمة ديون اليونان السيادية، حتى استيقظت على كارثة أكبر تتعلق باحتمال افلاس بنوك أوروبية كبرى، وهو ما يهدد أموال مودعيها ومساهميها.
بل ويهدد اقتصاد الدول التي قد تعجز عن مساندة البنوك ماديا لضخامة ديونها المعدومة والمتعثرة، كما تهدد القطاع المصرفي الذي يدير أموال المجتمع ويوفر السيولة للمستثمرين وأسواق المال.
الشرارة ستنطلق في المرة القادمة من البنوك الإيطالية وستمتد بسرعة لبلدان أخرى منها إسبانيا والبرتغال وفرنسا، وربما تمتد لدول تعاني أصلا من مشكل مالية ضخمة مثل قبرص واليونان.
وحسب الأرقام الحديثة فإن ديون البنوك الإيطالية تقدر بنحو 360 مليار يورو ( ما يعادل 400 مليار دولار)، وأن بعض هذه الديون متعثرة ومشكوك في تحصيلها، وأن الحكومة الإيطالية طلبت تسهيلات من المفوضية
الأوروبية قيمتها 55 مليار يورو لإعادة ضخها في رؤوس أموال هذه البنوك، إلا أن المانيا اعترضت، لأنه يكفي تحملها معظم تكلفة علاج أزمة اليونان، وقبلها أزمات قبرص وبولندا وغيرها من الدول التي مرت بأزمات تعثر مالي.
كما تحتاج البنوك الإيطالية إلى عشرات المليارات من الدولارات، لدعم مراكزها المالية لاجتياز اختبار التحمل الذي تجريه منطقة اليورو على بنوكها من وقت لأخر حسب معايير لجنة بازل الدولية.
وزاد أزمة المصارف الإيطالية تعقيداً عدم توافر مثل هذه السيولة المطلوبة لدي الحكومة الإيطالية التي تعاني هي نفسها من وضع مالي مضطرب.
كما زادها أيضا انتقال أزمة ديون البنوك الايطالية لرجل الشارع حيث يتنامى الغضب الشعبي بسبب فشل الحكومة في معالجة ملف البنوك الشائك وزيادة القلق على أمواله.
هذه الأرقام أثارت الذعر في القطاع المصرفي الإيطالي وهو ما أدى إلى حدوث تراجع حاد في أسعار أسهم البنوك، هدد إلى درجة كبيرة البورصة الإيطالية. ويكفي أن نقول إن سهم بنك إم.بي.إس فقد أكثر من نصف قيمته المتداولة بالبورصة.
وواكب الصدمة اتجاه المفوضية الأوروبية لفرض عقوبات تقشفية على البرتغال وإسبانيا، لتصحيح العجز المتزايد في ميزانيتهما عن الحد المسموح به في قانون السياسة المالية لمنطقة اليورو، مع الإشارة هنا إلى أن المفوضية سبق أن أرسلت تحذيرا مماثلا إلى 6 دول هي إيطاليا وبلجيكا وكرواتيا وفنلندا ورومانيا وإسبانيا لاختراق ميزانياتها قواعد الاتحاد الأوروبي للمالية العامة، ومخالفة معاهدة الاستقرار والنمو، وهي الكارثة التي وقعت بها دول أخرى دخلت في حال التعثر المالي منها اليونان وقبرص.
أوروبا باتت تئن ليس فقط سياسيا خاصة عقب قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، ولكن تئن اقتصاديا ومالياً.